لا يكاد يخلو مجتمع في العالم من المتطرفين، حتى المجتمعات التي تؤمن بالرهبنة والتجرد من الملذات وجد من بينهم من ينسف فكرتهم بتطرفه، في دول الغرب المتحررة من كل شيء ورافعة حقوق الإنسان في كل حي، نمت من بين أحضانهم أفكار متطرفة كادت تسقط جل قيمهم. كلنا سمع عن النازية والفاشية وقبلهما الحملات الصليبية، والصهيونية، ومر علينا مصطلح جماعات التكفير التي تحمل أسماء إسلامية، ملخص القول إن التطرف ظاهرة عالمية لا ترتبط بملة سماوية أو عقيدة بشرية، فلماذا يتطرف البعض؟ كلمة التطرف من بشاعتها أن أهلها يتبرؤون منها. هل سمعتم، يوماً من الأيام شخصاً عرفه الناس بهذه السمة ويفتخر بها، العكس هو الصحيح. فجميع الأحزاب أو الأفراد الذين عرفهم غيرهم بالمتطرفين يسعون ليلاً ونهاراً لتقديم البراهين التي تثبت براءتهم من ذلك، لذلك يطلق الناس هذا المصطلح على أفراد أو جماعات شذت عن العقل الجمعي للمجتمعات، حيث تتسم بصفتين أساسيتين هما رفض الآخر، فكل من يخالفهم لا يستحق الوجود. الأمر الآخر استخدام العنف في تغيير المجتمعات، فمن حق الإنسان السعي لإقناع غيره بفكرته، لكن بالتي هي أحسن، بيد أن المتطرفين يحجمون عقول غيرهم ولا يحترمونها، لذلك هم لا يتخاطبون بلغة العقل، بل العنف كلامهم. لماذا يتطرف البعض؟ سؤال حيّر الناس، فبعضهم ربطه بالخلل الاقتصادي عندما تطغى فئة الأغنياء بجبروتها وتمتص دماء الفقراء. الآخرون يَرَوْن أن الطغيان السياسي والديكتاتوريات التي لا تحترم حقوق الشعوب كان أحد أهم منطلقات التطرف. بعض الباحثين ركز على الجماعات الدينية التي تتبنى فكرة تود إجبار العالم على الإيمان بها، أو الموت في سبيلها كمدخل للتطرف. ومن وجهة نظر شخصية أرى أن التطرف هو نمط فكري يبحث صاحبه عن تبرير لأفعاله، فالخلل هو في الفكر، وتحويل ذلك الفكر إلى واقع يؤمن به الناس يتلمس صاحبه الحجج كمحاربة الديكتاتوريات أو القضاء على الإقطاعيين والمحتكرين للثروات تحت مبدأ العدالة الاجتماعية، ويدخل في هذا السياق من يتحجج بالإسلام وتعاليمه كي يحارب تحت هذه الراية كل من لا يؤمن بمنهجه أو يقتنع بفكرته. إذاً من وراء التطرف عقل بشر، ابتعد عن الوسطية التي تضمن حقوق البشرية إلى فئوية تعتقد أن الحقوق لها، تهبها لمن يؤمن بمبادئها وتنزعها عن من يخالفها. عوامل كثيرة أوصلت عقول بعض البشر إلى هذا المستوى من الخلل الفكري والمنهجي. في علم النفس نرجع دائماً إلى مرحلة الطفولة، فجل الخلل الذي يعاني منه بعض البشر مرده إلى تربية غير سوية، سادت فترة طفولة هذا الإنسان. فمن النادر أن تكون الأفكار المتطرفة صادرة عن شخصية سوية، العامل الثاني في المسببات مرده إلى المحاضن الفكرية التي مسخت الوسطية عند بعض البشر تحت شعارات زائفة، وغذتهم بالراديكالية الفكرية التي جعلتهم يستعلون نفسياً على أبناء آدم، ويعيشون ازدواجية فكرية وتطبيقية جعلتهم يحتقرون غيرهم، ولا يكادون ينظرون إليهم إلا من زاوية سلبية لا ترى للإيجابية مكاناً في حياتهم. المصيبة التي نعيشها هذه الأيام أن الفكر المتطرف أصبحت له دول تتبناه وتموله لتحقيق أهداف سياسية، كلنا يعلم اليوم من موّل حركات التطرف الديني التي رفعت شعار الإسلام، وندرك أن احتضان رموز تلك التحركات وتأمين المأوى الآمن لهم جزء من حراك دولي يحقق مصالح بعض الأمم، ولو كان في ذلك ترويع للأبرياء، وإسالة الدماء، نحن بحاجة إلى عقل جمعي يدرك ما وراء الأحداث، ويبدأ في محاربة الفكر بفكر أنجع منه.