يسعى المرء إلى أن يقرأ بعض التفاصيل عن تزاحم ما يسمى بـ«التنظيمات الجهادية» في سوريا، كي يعرف حجم المأساة السياسية لحركة التغيير والمقاومة، وبعض أسرار ضياع زخم التغيير المنشود، حتى بات الناس هناك وقد عصفت بهم كل ألوان المآسي، لا يحلمون إلا بالرضا بما أعلنوا خروجهم عليه! بعض هذه التنظيمات عابرة للحدود السورية، حيث إن لها فروعاً خارجية مثل تنظيم «داعش»، أو تمثل هي بذاتها فرعاً لتنظيم أكبر مثل «القاعدة»، وينخرط في هذه التنظيمات العديد من المقاتلين الأجانب. ويفضل «داعش» العمل منفرداً، حيث لا يدخل في أي تحالفات، كما أنه في حالة عداء مع الجميع بما فيها التنظيمات الإرهابية الأخرى نظراً لمنظومتها الفكرية العدائية، أو البالغة العداء! ويقول الباحث «علي بكر» في دورية «السياسة الدولية» إن التنظيم اعتبر نفسه «الدولة الإسلامية»، وسعى في إزالة الحدود السياسية، حتى إن المتحدث السابق للتنظيم، أبو محمد العدناني، قد أعلن «الخلافة الداعشية»، وهو يعتلي إحدى الجرافات التي يُزيل بها الحدود بين العراق وسوريا، ويعلن انتهاء الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو. غير أن التنظيم عمد إلى تقسيم العراق والشام، إلى 19 ولاية، منها بغداد والأنبار وصلاح الدين وحلب ودمشق والرقة، ولا يزال يسيطر على 33? من الأراضي السورية رغم اقتلاعه من الموصل بجهد بطولي من الجيش والقوى الأمنية في العراق. وتعد «القاعدة» أقوى منافسي «داعش»، لاسيما بعد دخول «جبهة فتح الشام»، ذراع «القاعدة»، في تحالف مع كل من حركة نور الدين زنكي و«لواء الحق» و«جبهة أنصار الدين» و«جيش السُنة»، مما جعل «القاعدة» تسيطر على ما يقرب من 30 ألف مقاتل. إلى جانب «القاعدة» و«داعش»، توجد تنظيمات محلية سورية، برغم وجود مقاتلين أجانب فيها، تنشط في الداخل السوري، وليست لها ارتباطات فكرية بأي من التنظيمات العابرة للحدود.. أهمها: «جيش الإسلام»، الذي تشكل عام 2013 عقب تآلف نحو خمسين فصيلاً في دمشق وضواحيها تحت قيادة «زهران علوش» الذي قتل في نهاية عام 2015. ويعرف «جيش الإسلام» بأنه عدو «داعش» اللدود، كما خاض عدداً من المعارك ضد «القاعدة». ويعد «فيلق الرحمن» ثاني الفصائل الكبرى في الغوطة الشرقية لدمشق، ويسيطر على مدنها، ويبلغ عدد مقاتليه ما يقرب من تسعة آلاف مقاتل، وتقول الدراسة إنه «يتلقى دعماً من دول عدة، أبرزها قطر وتركيا». ومن هذه التنظيمات «حركة أحرار الشام الإسلامية»، المنافس القوي لـ«القاعدة» في الشمال السوري، وتضم تيارين: سلفي وإخواني. أما «فيلق الشام» فيعتبر الذراع العسكرية لجماعة «الإخوان»، كما يضم عدداً من الضباط المنشقين عن النظام السوري. وهناك تنظيمات أصغر حجماً، معظمها يدخل في تحالفات مع التنظيمات الكبيرة، أو يتعاون معها دون اعتناق أفكارها. لا تكيف هذه التنظيمات فكرها وحركتها وفق مصالح ومناورات حركة التغيير السورية، فالتنظيمات الإرهابية السورية تتسم باختلاف الرؤى والآراء، كما أن أجنداتها قد دمّرت الثورة وأبعدتها عن أهدافها، إلى جانب ما ترك التمويل الخارجي من تأثير. ويلاحظ الباحث أن تطورات الأحداث في سوريا أثبتت أن هذه التنظمات تحكمها في المقام الأول المصلحة الذاتية التي تخضع لرؤية قادتها «الذين يقدمون بطبيعة الحال مصلحتهم الشخصية، حتى لو تعارض ذلك مع الفكر والأيديولوجية. فتنظيم «داعش» برغم تكفيره لتنظيم «القاعدة»، فإنه عندما اقتضت مصلحته التوافق معه لم يتوان في ذلك، مثل الاتفاق الذي تم إبرامه بين الطرفين في أبريل 2017. ويلاحظ في هذا المجال ضخامة أعداد المقاتلين الأجانب، إذ «شكّلت المجموعات الجهادية السورية أكبر تجمع للمقاتلين الأجانب من نحو 93 جنسية من جميع قارات العالم، بإجمالي ما بين 27 و31 ألفاً، معظمهم من الدول العربية». أما الميليشيات الشيعية، فقد تنوعت وباتت تشمل ميليشيات من باكستان وأفغانستان إلى جانب اللبنانية والإيرانية والعراقية. ويبدي الباحث ملاحظة مهمة إذ يؤكد «أن سوريا بصدد مشروع للتسوية السياسية وليس إنهاء للصراع، حيث إن الصراع أصبح معقداً بشكل يصعب حله بشكل جذري ونهائي، لاسيما في التدخلات الخارجية وتعدد المجموعات المسلحة». ويتوقع الباحث أن تقبل التنظيمات المسلحة بأي تسوية تحافظ على مصالحها ومقاتليها وتبقيها على قيد الحياة بأي صورة من الصور. ومن اللافت للنظر، أن الحجج التي ساقتها التنظيمات الرافضة للمشاركة في التسوية، «تأتي كلها من منطلق سياسي بحت، الأمر الذي يدل على أن هذه التنظيمات ترغب في تحقيق الأهداف السياسية، حتى لو على حساب المنطلقات الفكرية». ماذا عن مستقبل النشاط الإرهابي في المنطقة؟ تقديرات الباحث متشائمة، فهو يرى أنه «حتى في حالة هروب تلك التنظيمات من الأراضي السورية إلى مناطق أخرى - عربية وأفريقية وآسيوية- فإن هذا لا يعني القضاء على الإرهاب في المنطقة، وإنما مجرد نقله إلى بؤر أخرى، يمكن أن تكون أشد خطراً من البؤرة السورية». نجحت التنظيمات الإرهابية في تدمير قضية الشعب السوري، ولا شك أنها تدرس منذ فترة «نقل خدماتها التدميرية» إلى مناطق ودول عربية أخرى وأفريقية وآسيوية، ربما يأتي قريباً دورها..إن لم نستفد من الدروس.