ابتهج الإيرانيون بالعناد القطري الذي اتخذه هواة السياسة الخارجية القطرية منهجاً شعبوياً عاطفياً لهم، يرتكز على العشوائية والتعويل على وعود من يضمرون الشر للأمن القومي الخليجي والعربي. ونتيجة لذلك العناد الأعمى قامت طهران بتشجيع الدوحة إعلامياً وسياسياً، وبحثّها على المزيد من التمادي والقفز إلى المجهول من خلال عدم الالتزام بالمطالب الخليجية والعربية المشروعة، التي تدعو قطر إلى الكف عن دعم وتمويل الإرهاب. هذا الدعم الإيراني المكشوف لقطر يضع طهران أيضاً على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، رغم أن ملفها في هذا الجانب مثقل بالحقائق الصادمة، لأن الدعم الذي تقدمه للمجموعات الطائفية المسلحة يستوجب المحاسبة منذ عقود. كما وجدت طهران في الشرخ الذي تسببت به الدوحة فرصة ذهبية لشق وحدة البيت الخليجي، وأصبحت وسائل الإعلام الإيرانية تتغنى بحماقة الدوحة ومكابرتها وتضعها في خانة الشجاعة، كما هو عهد السياسة الإيرانية التي تشجع المارقين وتطبل لهم في كل مكان، وفي النهاية لا تقدم لهم شيئاً سوى التطبيل واستخدامهم كأدوات للفتنة. وبهدف تأجيج الصراع أكثر مما وصل إليه، تنازل الإعلام الإيراني فجأة عن بعض خطوطه العامة المستهلكة، ومن ضمنها تلك النظرة التقليدية التي كانت تضع دول الخليج كلها بلا استثناء في خانة العدو الذي يهدد إيران، فأصبحت قطر في نظر إعلام الملالي مقربة ومظلومة وتصدرت أخبارها صحف طهران ومواقعها التحريضية. ويبدو أن حجم الأموال التي تضخها الدوحة للمحللين العرب الذين يطبلون لموقفها المعادي لمحيطها الإقليمي قد حرمت قطر من نصائح العقلاء، لأنهم لا يريدون أن يخسروا عطاياها أو إحراجها بتشريح موقفها بشكل دقيق، وكذلك لأن الدوحة لم تعد ترغب إلا في سماع ما يؤيد موقفها الارتجالي. ومن باب النصيحة المجانية، وقبل أن ينتهي شهر العسل المؤقت بين الدوحة وطهران، يتعين على القطريين الاستيقاظ من الحلم الكاذب الذي يعيشون فيه، ويتخيلون أن الدولة الفارسية ستقف إلى جانبهم بإخلاص. وعليهم أن ينظروا بعقلانية وبحسابات اقتصادية واقعية. فإيران التي تحاول أن تلقي بثقلها لمساعدة قطر تجارياً بتوفير بعض السلع الغذائية، هي ذاتها إيران التي تعاني من العقوبات الدولية، والتي زادت مؤخراً بعد إقرار عقوبات جديدة عليها، وبذلك انتهت فرحة طهران المؤقتة بثمار الاتفاق النووي مع الغرب في عهد أوباما، واتخذت الإدارة الأميركية الجديدة من إجراء إيران تجربة لصاروخ باليستي فرصة لفرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية، مما يضعف من تطلعات إيران للعبث في الشرق الأوسط. وكل المؤشرات تقول إن قطر في موقف لا تحسد عليه، وتصرفاتها تدعو للسخرية والرثاء بعد أن أصبحت تترقب المساعدة الغذائية من دولة أخرى تعاني فعلياً من نقص في مختلف أنواع المواد الاستهلاكية! وإذا كانت طهران تغامر بمصلحة الشعب الإيراني كعادتها فهذا شأنها. لكن على الدوحة معرفة حجم ملفات إيران الخارجية التي تستنزفها، سواء في سوريا ولبنان أو في العراق واليمن، مما يعني أنها لن تحتمل فتح جبهة أخرى تستنزفها اقتصادياً وتجفف أسواقها لصالح القطريين. وبالفعل فقد شهدت إيران مؤخراً ارتفاعاً حاداً في الأسعار ونقصاً في المواد الاستهلاكية الضرورية. ولن يدوم الحال طويلاً إذا ما استشعرت طهران أن تصدير بعض السلع إلى الدوحة سيعجل باحتجاجات في الشارع الإيراني الذي يعاني من صعوبات اقتصادية مزمنة، ولا تحتمل أزماته إضافة أعباء أخرى. ومن مؤشرات السوق الإيرانية أن الارتفاع في أسعار بعض السلع الضرورية بلغ مؤخراً نحو 35%، فيما ارتفعت نسبة التضخم خلال الشهر الماضي بمعدل 8.9%، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تنقل أصداء التذمر الشعبي المتزايد في أوساط الإيرانيين. وبحسب مصادر إيرانية، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية في إيران بعد إعلان المشرف على جمارك ميناء دير «البرزكشاوزي» أن بلاده صدّرت 1400 طن من المواد الغذائية إلى الموانئ القطرية، بينما كانت الأسواق الإيرانية تعاني قبل هذا الإعلان من نقص حاد في السلع، إثر العقوبات الدولية التي لا تزال تداعياتها قاسية على طهران. والخلاصة أن حكام الدوحة لم يكسبوا من عنادهم سوى انتظار سفن إيران ورحلات تركيا لنقل المواد الغذائية الأساسية للقطريين!