دعونا نتخيل أن فريق الأمن القومي في الإدارة الأميركية ذهب إلى المكتب البيضاوي واقترح السياسة الأميركية التالية في سوريا: توفير ملاذ آمن لتنظيم «القاعدة» في جنوب سوريا، من خلال العمل مع روسيا على إقامة منطقة لوقف إطلاق النار يمكن فيها للشبكة الإرهابية التي كانت وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر العمل بحرية من دون خوف من أية هجمات أميركية! ثم لندع «البنتاجون» تخبر معظم القوات الموالية للولايات المتحدة الراغبة في المحاربة إلى جانب أميركا أنه لن يسلحها ولن يدربها ما لم توقع تعهداً بأنها لن تقاتل نظام الأسد، الذي اقترف المذابح لأسر أعضائها بقذائف الهاون وهجمات الغازات السامة. وبعد ذلك، دعونا نلغي برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السرّي الذي سمحت بموجبه الإدارة الأميركية لمجموعة صغيرة من قوات المعارضة بمحاربة الأسد، أضف إلى ذلك كلمة أننا نفعل ذلك أيضاً تنازلاً لموسكو! وبدلاً من المقاتلين السُّنة، سنتحالف مع «قوات حماية الشعب» الماركسية الكردية، وهي منظمة تصنفها تركيا العضو في حلف «الناتو» على أنها منظمة إرهابية. وسنستخدم هذه القوات في محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي فقط، تاركين تنظيم «القاعدة» يرتع بلا حساب أو عقاب، ومن ثم نساعده على إعادة تأكيد ريادته على منافسه الإرهابي في قيادة التطرف العالمي! ولنترك وزير الدفاع «جيم ماتيس» يقول علانية إنه لا ينبغي علينا أن نفعل شيئاً لدفع توسع القوة العسكرية الإيرانية غير المسبوق في سوريا، بل ويقترح أنه يمكن لإيران المساعدة في محاربة تنظيم «داعش»! ولندع وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» يصرح هو أيضاً بأن «لروسيا المصلحة ذاتها التي لدينا في سوريا»، وهكذا يمكننا مساعدة «القاعدة» في تجنيد مزيد من المقاتلين السنة من خلال إخبارهم بأن الولايات المتحدة تتحالف مع روسيا وإيران والشيعة والأكراد في حملة لاسئصالهم، وهي رسالة لن يكون لدينا رد فعّال عليها لأنها ستكون حقيقية. فهل تبدو هذه خطة جيدة؟ لأنها في الحقيقة بمثابة وصف دقيق لما تفعله واشنطن اليوم في سوريا! ويشير تقرير حديث صادر عن «معهد دراسات الحرب» و«مشروع التهديدات الكبرى» التابع لـ «معهد أميركان إنتربرايز»، إلى أن «الاستراتيجية الأميركية الراهنة قد تفيد تنظيم القاعدة، الذي يمتلك جيشاً في سوريا، ويتأهب ليحل محل داعش». وينوّه التقرير إلى أن «طريقتنا تعزز من دون قصد حركة التمرد الإرهابية العالمية، لأن القوى السنية تعتبر أن الولايات المتحدة تتعاون مع ألدّ أعدائها». ويستفيد تنظيم «القاعدة» من ذلك المفهوم لبناء تأييد بين القبائل السنية، مقدماً نفسه كمدافع عن العرب السنة ضد التحالف «الإيراني الروسي الأميركي» الذي يسعى إلى إخضاعهم وتدميرهم. وإبعاد السكان السنة ليس سبيلاً للفوز بالحرب ضد التطرف، ولاسيما أن تنظيم «القاعدة» نصّب نفسه في الوقت الراهن رأس حربة في المعركة ضد نظام الأسد، وأضحى كثير من السنة، الذين لا يتقاسمون مع تنظيم «القاعدة» أيديولوجيته، ينضمون إليه لأنه التنظيم الوحيد الذي يقاتل الأسد. وهدف «القاعدة» هو تولي السيطرة على التمرد ضد الأسد، وتحويله تدريجياً إلى حركة عالمية في مواجهة إيران وروسيا والولايات المتحدة. وبدلاً من تقويض تلك الجهود، فإن واشنطن تعززها، بالتركيز حصراً على تنظيم «داعش»، ودفع السكان السنة إلى التحالف مع «القاعدة». وجلّ ذلك ضرب من الجنون، فعلينا أن ننأى بالقبائل السنية بعيداً عن «القاعدة»، وللولايات المتحدة سجل موثوق يمكنها البناء عليه بهذا الصدد، فأثناء تمرد عام 2007 في العراق، تحالفت بنجاح مع القبائل السنية، التي كانت تقاتل إلى جانب «القاعدة» هناك، ونجحت في قلبها على الإرهابيين، وساعدت الأميركيين في طردهم. والنتيجة كانت هزيمة عسكرية وأيديولوجية للتنظيم الإرهابي. فلم يطرد الإرهابيون من ملاذاتهم فحسب، ولكنهم تكبدوا أيضاً رفضاً شعبياً مذلاً من قبل الجموع السنية. وها نحن نحتاج إلى انتصار عسكري وأيديولوجي مماثل في سوريا. فلماذا لا نعمل على تكرار ذلك النجاح؟ ولابد من فهم الحقيقة الأساسية وهي أنه لا يمكننا هزيمة «داعش» أو «القاعدة» أو "حركة الإرهاب العالمية وحدنا، ولا يمكننا القيام بذلك من خلال وكلاء أكراد أو إيرانيين! ----------------- * زميل بمعهد «أميركان إنتربرايز» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»