إذا حاولت حكومة غير ليبرالية منتخبة ديمقراطياً، ولكنها مصممة على تغيير القواعد السياسية، فعل شيء غير دستوري، فماذا عسى الشعب فاعلاً؟ وأي شيء يمكن أن تقوم به المعارضة؟ لعلنا تعرفنا الآن إلى ذلك المأزق من خلال الممارسات في عدد من الدول مثل روسيا وفنزويلا وتركيا والمجر وبولندا وربما قريباً اليونان أيضاً. ومثلما كتبت من قبل، تبدو الآفاق قاتمة بشكل كبير بالنسبة لأؤلئك الذين يرغبون في البقاء ضمن حدود القانون. وربما أن أحد الحلول الجزئية هو تنظيم المظاهرات السلمية في شوارع تلك الدول، وإن كانت طريقاً مثيراً للإحباط، فليس لدى معظم الناس وقت للوقوف في حشود يومية أو حتى مسائية، كما أن الشعارات والخطابات يغلب عليها التكرار، والأكثر أهمية أنه ليس ثمة ما يلزم الحكومة بالإنصات وأخذها بعين الاعتبار. ويمكن أن يبدو ذلك الحل ضرباً من العبث، وهو في كثير من الأحيان كذلك بالفعل، ما لم يستطع المتظاهرون تحريك قلوب وعقول قادة الحزب الحاكم. وذلك ما حدث بالتحديد في بولندا خلال الأسبوع الماضي. ولإيجاز تلك القصة المعقدة، ارتكبت الحكومة القومية في بولندا بالفعل سلسلة من المخالفات الدستورية واتخذت مجموعة من القرارات غير الديمقراطية، من بينها تسيس الإعلام الحكومي، والجيش ومكتب المدعي العام والأجهزة المدنية والمحكمة الدستورية. وقبيل أيام مضت، مررت ثلاثة قوانين كان من شأنها السماح للحكومة الراهنة بحل المحكمة العليا، وإقالة عشرات القضاة واستبدالهم بمن تريد. وأعقبت ذلك مظاهرات حاشدة في أنحاء البلاد كل ليلة طوال الأسبوع الماضي، ولاسيما في المدن الرئيسة كافة وكثير من القرى الصغيرة أيضاً. وردد عشرات وربما مئات الآلاف من الناس النشيد الوطني، وشعارات احتجاجية مناهضة للشيوعية تعود إلى ثمانينيات القرن المنصرم. ووقفوا حاملين الشموع أمام المحاكم. وغنوا «بولندا هنا»، في رد على الدعاية الحكومية التي هاجمت المتظاهرين بأنهم «أجانب» و«خونة» و«أحفاد البوليس السري» الذي يتلقى أموالاً من «جورج سوروس». وقد أدلى غالبية أعضاء المجتمع القانوني في بولندا من محامين وباحثين وقضاة، ومن بينهم كثير من المحافظين، ببيانات مؤيدة للتظاهرات. وقد حفّز مشهد الحشود العارمة في الشوارع كثيراً من الدول الأجنبية المؤثرة، بما في ذلك حلفاء بولندا في الاتحاد الأوروبي، وحتى وزارة الخارجية الأميركية، كي تعلق على الأحداث. وعلى رغم أن الحكومة والأغلبية البرلمانية لم تحركا ساكناً، إلا أن نظام الرئيس البولندي «أندريه دودا» اهتز. ولكن على النقيض من نظيريه الفرنسي أو الأميركي، لا يمتلك الرئيس البولندي سوى صلاحيات محدودة جداً، من بينها سلطة الاعتراض على القوانين. وفي حين يدين «دودا» بالفضل في وظيفته لزعيم الحزب الحاكم، بدا متردداً بشكل كبير في استخدام حتى تلك الصلاحية المحدودة في الماضي، وتورط بصورة مباشرة في تقويض المحكمة الدستورية.. ذلك القرار الذي أطلق إشارة البداية لسلسلة الأحداث الراهنة. ولكن يبدو أن مشاهدة مواطنيه في الشوارع حركت مشاعره، ومن ثم اعترض على اثنين من القوانين الثلاثة المثيرة للجدل. وعلى أقل تقدير تم تأجيل الحل الفوري للمحكمة العليا. وبالطبع، لم تنته القصة بعد، فقد تأثرت المحاكم الابتدائية بالقانون الذي لم يحظ باعتراض الرئيس، ولا تزال في خطر. والقانونان الآخران سيعودان الآن إلى البرلمان، وقد تجري عليهما بعض التعديلات الشكلية قبل أن يعيد تقديمهما مرة أخرى. ولكن وسائل الإعلام الحكومية، التي أخبرت مشاهديها في إحدى المراحل بأن المتظاهرين أرادو أسلمة بولندا، قد تواصل الكذب بشأن ما حدث. ------------------ * محررة الشؤون الخارجية في صحيفة «واشنطن بوست» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»