استمعنا قبل عدة أيام إلى الخطاب الذي ألقاه أمير قطر عبر شاشات القنوات الفضائية، ومن وجهة نظر تحليلية بحتة ربما يحمل الخطاب بعض المؤشرات ذات الدلالات على نية قطر الاستماع إلى صوت الحق الذي رفعته في وجهها دول المقاطعة الرئيسية الأربع، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، وجمهورية مصر العربية، وإلى قرب حل الأزمة القائمة حالياً بين هذه الدول من جانب وقطر من جانب آخر، ولكن ما نود التذكير به هو أن الخطابات والتصريحات ليست هي التي ستحل الأزمة، إنما الذي سيحلها هو الاستماع إلى المطالب المطروحة من قطر وتنفيذها، وذلك من خلال النوايا الصادقة، والعمل السريع في هذا الاتجاه، أما غير ذلك من محاولات للهروب إلى الأمام والالتفاف حول القضايا، وعمليات التسويف، وكسب الوقت والمراهنة على الوساطات الدولية، خاصة كالتي قامت بها تركيا، فإنها لن تحل الأزمة وقد تزيدها سوءاً. ونود التذكير أيضاً بأنه تقع في صميم الأزمة قضيتان مهمتان جداً، وستلعبان دوراً كبيراً في التأثير على مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي ومن ضمنها قطر ذاتها، هما: إيواء فلول "الإخوان في الدوحة، والعلاقات القطرية مع إيران التي تسير بعكس الاتجاه الذي تتخذه علاقات عدد من دول المجلس المهمة الأخرى معها. فأولًا، إيواء فلول "الإخوان" إلى جانب عدد من المنظمات الإرهابية الأخرى هو عين الخطر الجسيم على كافة دول المجلس، والعديد من الدول العربية الأخرى. إن جماعة "الإخوان" مصنفة بأنها إرهابية، وتحمل العداء المستحكم لكافة الدول والشعوب الإسلامية، إلا من انصاع لها وتبع هواها، فهي تتهم العرب والمسلمين جميعاً بأنهم موالون للاستعمار الغربي، وللصهيونية العالمية وإسرائيل. أما بالنسبة لإيران فنود التذكير بأنه عندما جاء من يحكمون إيران حالياً إلى السلطة، فإننا كخليجيين عرب تخيلنا جميعاً بأن القادمين الجدد سيغيرون جميع مواقف إيران السلبية السابقة ضدنا، وبأنهم سيتخلون عن التطلعات التوسعية تجاه أراضينا والهيمنة على خيراتنا ومقدراتنا، وسيعيدون إلينا جزرنا المحتلة فنحن أصحابها الشرعيين، هذا إلى جانب قيامهم بإعادة النظر في تركيبة القوات المسلحة الإيرانية في الخليج العربي، والتقليل من حجم التضخيم المبالغ فيه للترسانة العسكرية. لكن الذي حدث هو عكس ما تخيله عرب الخليج تماماً، حيث شكل القادم الجديد تحديات حقيقية لدول الخليج العربي فشهد البعض منها محاولات خطيرة للمساس بأمنها الداخلي مدعومة من إيران، وشهد البعض الآخر مظاهرات وأعمال شغب حركتها إيران، وفوق كل هذا وذاك، شهدت مملكة البحرين بالذات محاولة خطيرة لزعزعة الأمن الداخلي فيها بشكل عميق جداً من خلال التحريك الطائفي والمذهبي لبعض فئات المجتمع، تم القضاء عليها بشكل سريع ومباشر. نحن هنا لسنا بصدد تحليل الخطاب تحليلاً سياسياً متعمقاً لمفرداته وللمصطلحات التي وردت، لكن لابد من الإشارة إلى أن دول المجلس ليست بصدد التعامل مع ألفاظ ومصطلحات وخطب، لكنها لديها رؤية محددة تريد من خلالها من قطر التوقف عن دعم الإرهاب، وعدم إيواء فلول المنظمات الإرهابية والمتطرفة ورموزها وقادتها على أراضيها، وعدم التعامل من خارج السرب مع إيران الدولة التي تستهدف أمن وأراضي ومقدرات دول وشعوب الخليج العربي والعالم العربي، وهذه في تقديري مطالب مشروعة وعادلة، لأنها تمس صلب كينونة ومستقبل العالم العربي برمته. وينطلق موقف دول المجلس ومصر هذا من أنها تؤمن بأن الطبيعة المتغيرة الحالية للسياسات الدولية في الخليج العربي والعالم العربي تحتاج إلى البحث عن مواقف واستراتيجيات وبرامج ومقولات وبنى تنظيمية جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي، تكون الدول المعنية جميعها ضالعة فيها بما في ذلك قطر التي عملت خلال الخمس والعشرين سنة الماضية على تنفيذ سياسات وتطلعات أساءت إلى أشقائها الخليجيين والعرب، ويرون بأنها آن الأوان لها أن تكف عن ذلك. هذا هو الخطاب المطلوب وليس شيئاً آخر. د.عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي