أثبتت مجموعة الدول العربية المؤثرة والفاعلة في الساحة الدولية قدرتها على إجبار حكومة اليمين الإسرائيلية على رفع حصار بواباتها الإلكترونية عن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين. إنها تجربة عربية لممارسة قوة الإقناع الديبلوماسية في كواليس العواصم الغربية الكبرى تؤكد أن أمتنا ستتمكن من وقف أطماع التوسع الإسرائيلية وتحرير القدس المحتلة وفي القلب منها المسجد الأقصى المبارك. ولكي تكون وجهة نظري هذه واضحة أقول إنني لم أؤسسها على عواطف أصحاب الحق، بل على مراقبتي للساحة الدولية. دعونا نسترجع المشهد عام 2000، لنقيس عليه مشهد نصب البوابات الإلكترونية بالحرم القدسي الشريف خلال الأيام القليلة الماضية. في ذلك العام توفرت النية لدى الولايات المتحدة برئاسة بيل كلنتون، لإنهاء النزاع ولإنجاز التسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس معادلة الأرض مقابل السلام. آنذاك شهدنا قمة كامب ديفيد الثانية في يوليو 2000 أي منذ سبعة عشر عاماً تحت رعاية كلينتون وبمشاركة الرئيس الراحل ياسر عرفات والجنرال إيهود باراك، على أساس المعادلة المذكورة. طبعاً لم يشعر معسكر اليمين الإسرائيلي بقيادة حزب «الليكود» تحت رئاسة شارون آنذاك بالرضا حيال ذلك المشهد السلمي، فقرر شارون القيام بمؤامرة على عملية السلام بساحة المسجد الأقصى. ما زلنا نذكر قيام شارون باقتحام الحرم القدسي وساحة المسجد الأقصى تحت حماية الشرطة بصفته زعيماً للمعارضة بالكنيست. لقد نجح شارون الذي اصطحب معه عدسات الفضائيات في استفزاز العرب والمسلمين في جميع أنحاء المعمورة وفجّر غضب الشبان الفلسطينيين الذين راحوا يشتبكون مع قوات الاحتلال بالحجارة تماماً، كما شهدنا خلال الأيام السابقة من يوليو 2017 بعد بناء البوابات الإلكترونية من جانب حكومة نتنياهو. آنذاك وفي سبتمبر عام 2000 كان لدى شارون هدفان: الأول تفجير محاولة الرئيس كلينتون السلمية، والثاني إسقاط حكومة باراك والحلول محلها في السلطة. لقد نجح في ذلك من خلال معرفته بالنقاط الحساسة لدى العرب والمسلمين ولعلمه بأن محاولته تدنيس المسجد الأقصى ستفجر غضب العرب والمسلمين، وتشعل حريقاً كبيراً ينتهي إلى دفن محاولة كلينتون السلمية، وهو ما حدث بالفعل عندما اتسعت اشتباكات الشبان الفلسطينيين مع قوات الاحتلال فيما عرف بانتفاضة الأقصى. لقد تمكن شارون من تعبئة العناصر اليمينية الإسرائيلية وتخويف الجماهير الإسرائيلية من مشاهد الغضب والمقاومة الفلسطينيين وإضعاف تأييدها لحزب العمل، وهو ما أدى إلى اعتلاء شارون للسلطة وإطاحته بحكومة حزب العمل في الانتخابات. أرجو أن تلفت الديبلوماسية العربية التي أثبتت نشاطها وفاعليتها انتباه إدارة الرئيس الأميركي ترامب إلى هذه السابقة التاريخية، وأن تشرح لأقطاب الإدارة المسؤولين عن ملف السلام أساليم معسكر اليمين الإسرائيلي لتفجير المحاولات الأميركية لإنهاء النزاع. إن سابقة شارون ذات الدلالة الواضحة تعلمنا أن معسكر اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو لم يقم بتصعيد الموقف في الحرم القدسي الشريف منذ أيام نتيجة خطأ في الحساب، بل بناءً على خطة متعمدة تستهدف إثارة الغضب العربي والإسلامي، كما سبق وفعل شارون، لدفن محاولة ترامب الجديدة لإنجاز صفقة سلام تاريخية. لقد نجح الزعماء العرب الذين زاروا الرئيس ترامب بعد انتخابه أو اجتمعوا معه في قمة الرياض، في إقناعه بأن حل القضية الفلسطينية حلا عادلا ومرضياً سيحقق السلام والاستقرار في المنطقة، ويساعد على انحسار ظاهرة الإرهاب، ويحقق لشعوب المنطقة وشعوب العالم الأمن وللولايات المتحدة مصالحها. وأرى أن نتنياهو حاول تفجير محاولة ترامب لإنهاء النزاع، غير أن الديبلوماسية العربية نجحت في تطويق محاولته، وفي تقديري أن أمتنا ستنجح هذه المرة في إرساء سلام عادل وشامل، يضمن تحرير الأقصى رغم محاولات نتنياهو للتهرب من السلام.