منذ أن احتل الإسرائيليون مدينة القدس عام 1947 ثم استكملوا احتلالهم بدخول الشطر الشرقي من المدينة عام 1967، والمدينة المقدسة والمسجد الحرام يتعرضان -مثل باقي أجزاء فلسطين- لسياسة إسرائيلية تهدف إلى اقتلاع سكانها ونزع جذورها العربية والإسلامية وتزييف تاريخها. المخطط منذ البداية كان يستهدف احتلال القدس وتطويقها من كل الاتجاهات، لتهويدها والاستيلاء عليها، وكان ذلك واضحاً في تصريحات القادة الصهاينة منذ إقامة «دولة إسرائيل»، حيث نجد وزير الأديان الإسرائيلي في ستينيات القرن الماضي، «زيرخ فارهافتك»، يصرح قائلاً: «أنا لا أناقش أحداً في أن الهدف النهائي لنا هو إقامة الهيكل، لكن الأوان لم يحن بعد، وحينما يحين الموعد لابد من حدوث زلزال يهدم الأقصى كي نبني الهيكل على أنقاضه». وكان بيجن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، واضحاً هو كذلك عندما قال في عام 1979، «إن القدس الموحدة (شرقية وغربية) هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل». وهو التوجه الذي أيده الكنيست الإسرائيلي حين أصدر في العام التالي قراراً اعتبر فيه «القدس الموحدة» عاصمة إسرائيل. وحتى خلال مفاوضات السلام كانت إسرائيل تستبعد موضوع القدس من طاولة المباحثات. وقبل عدة أشهر صرح وزير الداخلية الإسرائيلي «غلعاد اردان»، قائلا إن المسجد الأقصى المبارك «يقع تحت السيادة الإسرائيلية»، وإن الدولة العبرية «هي صاحبة السيادة في الجبل (المسجد الأقصى والحرم القدس)»، وإن «مواقف الدول الأخرى ليست مهمة، وإسرائيل سيدة المكان وليست بحاجة لتوصيات من أحد، وما تراه ضرورياً تفعله». والأمر ذاته أكد عليه الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك»، أفي ديختر، حين قال: «إن إسرائيل لن تسمح بتحول المسجد الأقصى إلى مزار آخر مفتوح للمسلمين فقط». كذلك زعم الكاتب الإسرائيلي «درور ايدار»، أن «القصة الحقيقية هنا لا تتعلق بوسائل المراقبة الإلكترونية، بل بسيادة اليهود على كامل القدس». وتابع: «لا يجب أن نخاف من الأصوات والصراخ، فهم كانوا هكذا دائماً». وبالمقابل كان رئيس مجلس النواب الأردني المهندس عاطف الطراونة واضحاً عندما أشار إلى القوانين العنصرية التي يسنها الكنيست الإسرائيلي دعماً للاستيطان والاحتلال، والتي بلغ عددها منذ عام 2005 فقط، 129 قانوناً. لكن هذه الممارسات الإسرائيلية الاستيطانية لم تجد رادعاً حازماً، وبخاصة حيال المسجد الأقصى المبارك، منذ عام 1969 عندما تم إحراقه، ثم في عام 1990 عندما تمت ممارسة العنف فيه، وفي عام 1996 عندما فتح نفق المبكى فيه، مروراً بأحداث العنف التي تسبب فيها اقتحام شارون الحرم ومحاولة تدنيسه عام 2000.. كل تلك الممارسات ظلت وما تزال تصب الزيت على نار الغضب العربي الشعبي، وتثبت للجميع نوايا الجانب الإسرائيلي وسياساته التهويدية. وكثيراً ما حذّر المسؤولون العرب من الممارسات التي تقترفها إسرائيل، والتي تهدد بزج المنطقة في حروب طاحنة ومدمرة. وبسبب السياسات والمواقف الإسرائيلية، يلاحظ المراقبون أن الجهود التفاوضية التي بذلت لم تعد بأي فائدة تذكر للشعب الفلسطيني ومقدساته، فمنذ بداية اتفاقات أوسلو وما أعقبها من إعلانات ومبادرات واتفاقات، كان النهج الأساسي لإسرائيل قائماً على لغة القوة والحيلة والتضليل والخداع والمؤامرة.. فذلك هو الثابت الرئيس في السلوك الإسرائيلي، وهو ما يظهره ويضمره قادة إسرائيل وكتابها ومفكروها، وربما يطفح على سطح الصحافة الإسرائيلية أحياناً، وهذه عينة من عناوينها: «امنعوا المسلمين من الصلاة في المسجد الأقصى»، «القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية»، «الحديقة الأثرية للقدس في قبضة جمعية إسرائيلية»، «لا تمنحوا الفلسطينيين دولة، بل أعطوهم الحكم الذاتي فحسب».