تكمن إحدى أهم الصعاب التي تواجه الرئيس دونالد ترامب في أنه يفهم بعض الأمور بطريقة خاصة. وكان لقاؤه الأخير بالرئيس بوتين قد أظهر هذه الخاصية. وقد عاد ترامب إلى «التغريد» بمجرد عودته من قمة العشرين، فقال إنه وبوتين «تباحثا حول تشكيل وحدة للأمن الافتراضي لايمكن اختراقها، وبهذا تصبح القرصنة الانتخابية والعديد من القضايا السلبية الأخرى تحت المراقبة». ولقد بدا الأمر مقلقاً، حيث فهم معظم المعلقين أن فحوى هذه التغريدة يعني أن رئيس الولايات المتحدة كان يفكر بتأسيس آلية مشتركة للدفاع ضد الهجمات الافتراضية مع رئيس دولة أجنبية اتهمته وكالات المخابرات الأميركية كلها بقرصنة الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وهو ما أثار غضب الشعب الأميركي. وإثر ذلك عبّر السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو عن غضبه، حيث قال: «إن الاشتراك مع بوتين في وحدة الأمن الافتراضي يشبه الاشتراك مع الأسد في وحدة نزع الأسلحة الكيميائية». وقال السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا ليندس جراهام: «ربما لا تكون هذه أسوأ فكرة سمعتها في حياتي، لكنها قريبة جداً من أن تكون كذلك». والسؤال هنا هو: ما الذي يمكن لهذه الوحدة الأمنية الافتراضية التي لا يمكن اختراقها أن تفعله؟ وهل هي ممكنة عملياً؟ نعرض فيما يلي للطريقة التي تناول بها بوتين الموضوع عبر مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء قمة العشرين، حيث قال: «اتفقنا مع رئيس الولايات المتحدة على تأسيس مجموعة عمل تعمل على المراقبة المشتركة للأمن في الفضاء الافتراضي، حتى نتأكد من أن المعايير الشرعية الدولية هي التي يتم اتباعها في هذه المجالات، ومن أن التدخل غير المرغوب فيه في الشؤون الداخلية للدول الأجنبية لن يكون مقبولاً». واليوم، تنشغل روسيا والولايات المتحدة بشن حرب افتراضية ضد بعضهما البعض، وتعمل كل منهما على تقويض البنى التحتية الحساسة للدولة الأخرى. وهو صراع خطير وقاتل. وخلافاً لما هي عليه الصراعات العسكرية، فإن الحرب الافتراضية غير محكومة بأي قواعد أو اتفاقيات ملزمة للأطراف المشاركة فيها. وهذه النواحي المهمة هي التي ينبغي توضيحها وتحديد أُطرها بدقة. ومن الأفضل أن يتم وضع مثل هذه الاتفاقيات بإشراف الأمم المتحدة أو تحت مظلة مجموعة العشرين. وأكاد أشعر بالخوف من أن تؤدي القواعد التي ستضعها المجموعة إلى وضع الأحزاب السياسية والحملات الانتخابية والمؤسسات البحثية في مرمى قراصنة المعلومات. بل إن من المؤكد أن القراصنة سيخترقون أنظمة التصويت وشبكات المواصلات وشبكات توزيع الطاقة الكهربائية. وهذا يتطلب الاحتكام إلى الوضوح حول آليات توزيع المهمات والاتفاق على الطرق المناسبة لمواجهة الهجمات الإلكترونية جماعياً. ولا يحتاج ترامب وبوتين للتحالف حتى يتفقا على شيء مثل هذا. وبما أنهما رئيسا أكبر قوتين متنافستين في العالم، فإن لكل منهما مصلحة في حماية بنياته التحتية الحيوية وسكان بلده ونظامه الانتخابي من هجمات قراصنة المعلومات. ولا شك بأن بوتين سوف يشعر بالصدمة لو تعرض لمثل هذه الهجمات، ويبدو وكأنه هو مَن اقترح تشكيل مجموعة العمل المشتركة بنفس الروح التي حاولت بها الولايات المتحدة وروسيا الاتفاق على تقاسم الأدوار في الأزمة السورية، وحيث كان من المحتمل حدوث صدام عسكري بينهما. ويُذكر أن النتيجة الوحيدة لهذا الاجتماع الذي دام 136 دقيقة بين الرئيسين اقتصرت على الاتفاق على وقف إطلاق النار في الجنوب الغربي السوري، بما قد يؤشر لاتفاق ضمني بتقسيم سوريا إلى مناطق يقع بعضها تحت حكم نظام الأسد، وبعضها تحت سلطة المعارضة المدعومة أميركياً. ويبدو أن ترامب لم يقدِّر العرض الذي قُدم إليه، إذ رأى أن مصطلح «مجموعة العمل» يجب أن يتغير إلى «الوحدة العصيّة على الاختراق» التي تتكفل بمنع «الممارسات السلبية». فهو يختلف عن بوتين الذي اعتاد على التحضير جيداً قبل أي ظهور علني أو مشاركة في أي محادثات، والذي يفتخر بسرعة بديهته وبإلمامه بتفاصيل القضايا التي يناقشها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»