التاريخ مرآة الحاضر ونبراس المستقبل، ولا يعيد نفسه إلا إذا عاد النهر إلى مجراه كما ذكر ذلك «ديورنت» صاحب «قصة الحضارة». قطر أوقعت نفسها في فخ الهروب إلى الخلف والأمام في آن وهو ما يجعل من رجليها تمضيان في اتجاهين متضادين تتعثران كلما أرادت النهوض. الأزمة الراهنة أبرزت من قطر صفات المنّ والأذى للأموات قبل الأحياء، فهي التي زعمت بأن أهل الإمارات كانوا خدماً في بيوت القطريين! ولو أرادت الحسنى لقالت بأن بعض أهل الإمارات عملوا في بعض الشركات الأجنبية والسفن العابرة للقارات أسياداً، مثلما عملوا في السعودية والكويت والبحرين وعُمان في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن العشرين معززين مكرّمين، حتى استقر بهم الحال في الإمارات وهكذا كانت رحلة الكد والكدح لدى آبائنا وأجدادنا، الذين استمروا في بناء دولتنا العزيزة وكانوا عمودها الفقري لرقيها وإيصالها إلى أعلى الذرى. إذا كانت قطر لا تملك من حكاية ماضيها إلا هذا الجزء من استعباد البشر حسب ادعائها، فهي أهانت نفسها، ولا ينفعها هذا الجزء المهين للدفاع عن ورطتها في حاضرها. وإذا أردنا أن نسرد ذات التاريخ لحساب قطر، فإن الشواهد تثبت أنها لم تكن مستقلة ولا ذات سيادة عندما نشأت في المهد تحت وصاية وسيادة السلطان العثماني، حيث كانت جزءاً من تلك الإمبراطورية التي عينت لها والياً من عندها، فعزتها وسيادتها الحقيقية لا تأتي بالعودة إلى حضن السلطان التركي الجديد، بل في المنظومة الخليجية المحافظة على كل سيادات دولها بلا منازع، هذا إذا أرادت قطر أن تعتبر وتتعظ بحقائق التاريخ. ومما يؤزم وضع قطر أنها لم تتخذ من تاريخها مرآة لتصحيح أوضاعها، فقد هشمت تلك المرآة، فلا ترى من خلالها حقيقة وضع مركبتها في الطريق العام إلى العالم. وهذا التهشيم جاء أيضاً من خلال دق إسفين الشقاق والطعن في الأدوار البطولية التي مارستها المملكة العربية السعودية عندما طعن صدام خنجره المسموم في ظهر الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بغزوه الكويت، كويت العزة والأنفة. ولن أذهب بعيداً في الدفاع عن الشقيقة الكبرى في الخليج وهي التي تحملت مسؤولية الدفاع عن «حرم» قطر حتى حانت ساعة الغدر في 5 يونيو 2017. فلنستمع إلى «مقاتل من الصحراء» للرد على المزاعم القطرية من وحي الماضي الذي لا ينفع حاضرها ولا مستقبلها، يقول الأمير سلطان وهو قائد القوات العربية والإسلامية التي شاركت في تحرير الكويت: «كما كان الملك ومازال يحمل في قلبه حباً خاصاً للكويت، إذ كانت الملاذ الآمن حتى لأبيه (جدي) جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- من مناوئيه آل رشيد، خلال حكمهم وشمال الجزيرة العربية، وظل الملك عبدالعزيز في الكويت حتى خرج منها في يناير عام 1902 في غاراته التاريخية لاسترداد الرياض إلى حكم آل سعود». «.. وثمة سبب آخر أحزن الملك كثيراً، يعزى إلى تلك الصداقة القوية التي كانت تربطه بصدام وتجعله يبذل له كل العون والمساعدة، فإبان حرب العراق مع إيران، قدمت المملكة إلى صدام قروضاً بلغت 16 ملياراً من الدولارات، بالإضافة إلى مبالغ أخرى أعطيت له كمنح لا ترد، والآن جاء صديقه الحميم ليطعنه من الخلف!». وقد أكد الملك فهد رحمه الله في مقطع لفيديو قديم على أن «الكويت والسعودية بلد واحد، إما تعيشان سوياً أو تنتهيان سوياً» وهو القرار الذي اتخذه وقت التحرير. جاء دور قطر اليوم لتعيد سيناريو صدام في اتباعه الطعن من الخلف ليس للشقيقة الكبرى فحسب، بل لكل دول مجلس التعاون الخليجي بدأ بالسلاح الإيراني الذي أشعل المنطقة قرابة عقد في حربها مع العراق، وقد زادت هذه الحرب أوارها وننأى بقطر أن تجعل من نفسها وقوداً لاستمرارها وبصورة غير مسبوقة بين شقيق قطري بعد أن عجزت يد الشقيق العراقي عن تنفيذ مآربه الأخرى وهي ما نشاهده اليوم بما وصل إليه حال العراق وأهله. فخليجنا اتخذ قرار وقف هذا «التآمر» الظاهر على مجلس التعاون، بعد أن كان «التآمر» يوصف بالخفاء والسرية والكتمان. وكلنا كان يرقب الخطاب الأميري الذي أُجِّل من أجل مساعي الوسيط الكويتي التي لم تلق قطر لها بالاً، حتى صدمنا بالإصرار على تسمية ما يحدث في قطر بعد المقاطعة بـ«مرحلة الثبات» والمضي في هذا الطريق رغم حوار الصرخات.