ليس من باب جلد الذات، ولا الترويج لحال اليأس، أو تجميع العرب ـ أدناهم وأقصاهم ـ في مجالس للعويل، إنما هي الحقيقة المرة:«نحن اليوم ندخل مرحلة ما بعد العروبة، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إننا على وشك الخروج منها، حيث الاتجاه نحو المجهول، والمقصود بالحديث عن العروبة هنا، ليس البشر، لأن أعدادنا في تزايد، ومجتمعاتنا، في عمومها، الإنسان العربي فيها ليس غريب الوجه واليد واللسان، إنما المعني بالأمر هما المنجزان الثقافي والسياسي، حيث نجدهما يتأرجحان بين متطلبات المظاهر الفلكلورية لجهة إفراغ المنجز من محتواه، وبين الحرص على إثبات الوجود في ظل تراكمات، نتيجة تكالب أمم شتى علينا. من ناحية أخرى هناك حالة من النفور العام من العرب بشكل عام، ومن العروبة بشكل خاص، من ثلاثة أطراف، الطرف الأول، هو العرب أنفسهم، حيث الكراهية للذات وللشعب وللأمة تصل أحياناً إلى درجة الانتحار، وسبب تلك الكراهية فشل الأطروحات القومية المختلفة للأنظمة «الجمهورية»، بعض تلك الأطروحات تسبب في كوارث وأزمات، وأسهم في التفكك رغم دعوته الوحدوية الظاهرة والمرفقة بعُقد نفسية ومطامع شخصية في المجد والثراء، وحب للسلطة بشكل هستيري وديكتاتوري، وبعضها نتيجة سعي دول صغرى للقيام بدور أكبر من حجمها من خلال التحالف مع قوى الشر، أو تراجع دول كبرى لعجزها عن القيام بدورها التقليدي في قيادة الأمة وتوجيهها نحو أهدافها القومية المشتركة. الطرف الثاني، هو الأقليات والإثنيات المتعايشة مع العرب منذ قرون، وهي اليوم تطالب بالانفصال، وبعضها يتحالف جهاراً مع أطراف خارجية من أجل إسقاط الدولة الوطنية، صحيح أن بعضاً منها عايشَ مظالم في بعض الدول العربية، ولكن لم تكن خاصة به، ذلك لأن الظلم وقع على الشعب بكل أطيافه ومكوناته المختلفة، لذلك كان متوقعاً منها أن تكون معادية لأنظمة الحكم، ولكن نراها اليوم تعادي كل العرب، بما في ذلك الذين أحسنوا إليها. الطرف الثالث، القوى الخارجية، وهذه تشمل أعداء بعيدين عن المنطقة، وهؤلاء يعملون من أجل ألا يكون للعرب قوة أو وحدة، وأن يظلوا في فراق، لأن وحدتهم ستؤثر ـ في نظرهم- على موقع الدول ذات المصلحة، وهناك أعداء قريبون، منهم من نشترك معه في التاريخ، ومنهم من يجمعه معنا الدين، وثالث نعيش معه في فضاء جغرافي واحد.. هؤلاء لا يمكن لنا ولا لهم أن نحدث تغييراً في الحدود إلا بحرب إبادة تقضي علينا أو عليهم، ومع ذلك يصرون على عدائنا، ويسعون جهاراً إلى القضاء علينا، وإحداث الفتنة بيننا، ومنّا سمَّاعون لهم. خصوم الجيرة خطورتهم على العرب أكبر لأنهم يحاربوننا على مستوى الوجود، وهم ثلاثة أطراف، أولهم إسرائيل، ليس فقط من حيث هي قوة استعمارية محتلة، وإنما لأن وجودها مرتبط بأمرين، الأول: تخليص دول العالم الأخرى، وخاصة أوروبا، من الوجود اليهودي، والثاني: لأن اليهود يرون أن إقامة دولتهم تقتضي القضاء على العرب، وليس التعايش معهم، ما يعني أن الدعوات لما يعرف بحل الدولتين، نوع من الوهم، وثانيهم: إيران من حيث إنها قوة في المنطقة تقود حملة ضد العرب ظاهرها الدين ـ في شقه المذهبي ـ ولكن باطنها العامل القومي لجهة بسط نفوذ إيراني على العالم العربي كله بأساليب مختلفة، والطرف الثالث هو تركيا بقيادة حزب «العدالة والتنمية» الإخواني، حيث تسعى من أجل تحقيق أهدافها القومية في العالم السني من خلال التدخل في المنطقة، وبالتالي إعادة سياسة التتريك.. ومن أدرانا، ربما يتضاعف عدد خصومنا في المستقبل؟، وقد يكون لنا في ذلك خير!