هل كان يمكن أن تمتد الأزمة كل هذا الوقت، وتغرق في الأخذ والرد والوساطات لو أن الطرف المعتدي والمارق دولة فقيرة معدمة غير قطر الغنية؟ هذا العالم المنافق لا تحكمه مبادئ ولا قيم ولا قانون دولي ولا قواعد ولا معايير ولكن يحكمه المال، وكما يقول الشاعر العربي القديم عن الرجل الغني: تعد ذنوبه والذنب جم.. ولكن الغنى رب غفور الأزمات في الدول الفقيرة أو التي تتسبب فيها الدول الفقيرة تحسم فوراً وغالباً ما تحسم عسكرياً كما حدث في مواطن كثيرة من هذا العالم. وأما الأزمات التي تخلقها دولة غنية مثل قطر، فإنها تواجه بالتمييع والتبرير والتماس الأعذار، فالغني ذنوبه كثيرة ولكن للغنى أو الغني نفسه رب غفور، والأزمات التي تتسبب فيها الدول الفقيرة لا تحتاج إلى وساطات وجولات مكوكية، بل كثيراً ما يتم اختلاق هذه الأزمات الوهمية لإخضاع الدول الفقيرة أو الضغط عليها. أما الأزمات الحقيقية الواضحة التي تختلقها دولة غنية مثل قطر فيتم فيها اختلاق الأعذار وافتعال التبريرات. ونسمع العبارة السخيفة والمملة التي تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، وهي جملة «نناشد جميع الأطراف التحلي بالحكمة واللجوء إلى الحوار وممارسة أقصى درجات ضبط النفس». طرف معتد أثيم وطرف معتدى عليه يناشدهما المجتمع الدولي المنافق بالحوار والتحلي بالحكمة وضبط النفس. هذا العالم يساوي أو يسوي بين الجاني والمجني عليه، بين القاتل والقتيل لمجرد أن القاتل غني وعنده ما يدفع منه ثمن جرائمه وثمن براءته منها وثمن غفران ذنوبه وآثامه. واليهود سيطروا على العالم كله بالمال، وكذلك يفعل «الإخوان» الذين يديرون الأمور في قطر وغيرها من الدول، اليهود جعلوا ما يسمى العداء للسامية جريمة تعادل الكفر بالله، بل تفوقه بفلوسهم وسيطرتهم المالية والاقتصادية على مفاصل العالم المالية والإعلامية والسياسية. و«الإخوان» فرضوا إسلامهم الخاص والإرهابي المشوه بفلوسهم وسيطرتهم على اقتصادات كثير من الدول. واليهود جعلوا من يعاديهم كافراً منبوذاً. و«الإخوان» جعلوا من يعاديهم كافراً ومرتداً. واليهود يشترون الذمم والولاءات والعملاء بالمال. و«الإخوان» يشترون الأنصار والأصوات الانتخابية بالمال أيضاً، ولا توجد دولة كبرى قادرة على إدانة الصهيونية أو اليهود، كما لا توجد دولة كبرى قادرة حتى الآن على تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية، حتى تقارير منظمات حقوق الإنسان في العالم يتم شراؤها بالمال، والدولة التي لا تستطيع الدفع تكال لها الاتهامات بالقمع والتعذيب ومصادرة الحريات. المجتمع الدولي منافق حتى الثمالة، وليس هناك ما يسمى الضمير العالمي ومواثيق الشرف، وهذا أمر مستقر، وهو أن المال هو الحاكم بأمره، على رأي نفس الشاعر العربي في مطلع قصيدته: ذريني للغنى أسعى فإني.... رأيت الناس شرهم الفقير. وعندما هاجت الفتنة بين ابنَي الخليفة هارون الرشيد محمد الأمين وعبدالله المأمون إبان حكم العباسيين، كان الأمين هو الخليفة في بغداد، وخلع أخاه المأمون من ولاية العهد فاحتدم الصراع، وبعث الأمين إلى المأمون يطالبه بالطاعة والامتثال لخلعه من ولاية العهد، فاستشار المأمون خلصاءه، فقال له أحدهم: إنها الحرب يا أمير المؤمنين، ولا بد أن توجه إليه عسكرك لقتاله ومعك خلق كثير فقال المأمون: إن القوات والمال مع الأمين. والناس عبيد الدرهم والدينار وليس لهم ولاء لمبدأ أو دين، ولا أجدني قادراً على حربه لأن السلاح الأقوى معه وهو المال. وقطر دويلة صغيرة الحجم والقدر والتأثير السياسي لكنها دولة كبرى مالياً وهذا يستر كل عوراتها الجغرافية والديموجرافية والسياسية، واستطاعت بفلوسها استضافة كأس العالم ونهائياته في الدوحة عام 2022، وكانت وما زالت أكبر مصرف في العالم لتمويل الإرهاب في دول كثيرة، وما زالت تدفع المال لإراقة الدماء، وساهمت في صنع «الخريف العربي» بمالها ورفعت «الإخوان» إلى السلطة في دول الخريف على أكوام من الدولارات. انضمت إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، بينما هي تمول جرائم هذا التنظيم، وانضمت إلى التحالف العربي لدعم الشرعية باليمن، وهي تدعم الانقلابيين وتمولهم وتتعاون مع تنظيم «القاعدة». والحق الذي لا ريب فيه أن قطر ليست بالذكاء والدهاء السياسي الذي يجعلها تخدع العالم، أو ما يسمى المجتمع الدولي وتفعل الشيء ونقيضه. تحارب الإرهاب وتموله، وتدعم الشرعية اليمنية، وتدعم الانقلابيين في وقت واحد، قطر ليست ذكية ولكنها غنية. والغني الغبي خير وأحب إلى العالم من الفقير الذكي، بل إن العالم المنافق في حاجة إلى غباء الغني ليبتزه وينهب ماله. والغني بماله يستطيع أن يقطع ألسنة الجميع الناقدة والقادحة بالحق، لكن فقر الفقير يطلق ضده ألسنة الإدانة والاستنكار بالباطل. وقطر تطبق تماماً المثل العامي المصري الشهير (بفلوسك بنت السلطان عروسك).. أي أنك تستطيع أن تفعل ما تشاء وأنت آمن من العقوبة والمؤاخذة.. بل تجد أنصاراً ومصفقين لك ومبررين لجرائمك ووسطاء يأتون من كل فج عميق لجعل الضحايا ينسون جرائمك ويتصالحون معك وأنت طبعاً تدفع للوسيط الغربي الأجنبي. الغبي حقاً من يثق بهذا المجتمع الدولي ويرى فيه النزاهة والشفافية، فكما أن هناك اقتصاداً رسمياً فوقياً واقتصاداً تحتياً موازياً لا يسأل عما يفعل ويمارس تجارة البشر والمخدرات وغسل الأموال القذرة وتجارة السلاح.. فإن هناك أيضاً سياسة رسمية فوقية معلنة.. وسياسة تحتية خفية.. هي التي تدير العالم وتحرك الدمى على مسرح العرائس، لذلك من العبث والرفث والفسوق والعصيان أن نصدع رؤوسنا بالكتابة والتحليل والتدقيق حول سياسات وتصريحات معلنة، لأنها جميعاً كاذبة. والحقيقة خافية في السياسة التحتية التي يديرها المال والاستخبارات. والاختلاف بين الخفي والمعلن يبلغ حد التناقض لكن الخفي هو الحقيقي والمعلن هو الكاذب، فالمعلن قائم على المبادئ والقوانين الدولية والمواثيق. وكلها كاذبة ولا قيمة لها، لكن الخفي قائم على المال، وهذا هو الحقيقي. ولا أحد يسأل عن أصل الغني وفصله وأقواله وأفعاله الشائنة، بل يسألونه عن ماله وملاءته ويعطونه توقيعاً على بياض بأن يفعل ما يشاء. والمال وحده هو الذي جعل قطر تستضيف قاعدة أميركية تحارب الإرهاب في العالم كله وتحميه في الدوحة، وجعل في قطر قاعدتين تركية وإيرانية ومكاتب مجاورة لهذه القواعد تشمل «طالبان» و«حماس» و«الإخوان» وكل التنظيمات الإرهابية. العالم المنافق يحارب الإرهاب في الدول الفقيرة ويحميه ويدعمه في قطر. العالم يقول للغني: افعل ما يحلو لك ونحن معك.. و(بفلوسك بنت السلطان عروسك).