لإغلاق دولة الكويت للملحقية الثقافية الإيرانية وتخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين في الكويت على خلفية هروب المتهمين فيما بات يعرف إعلامياً بـ«خلية العبدلي» مؤخراً، الكثير من العبر والدروس التي تستحق الوقوف خليجياً عندها، لأن هناك من أبناء المنطقة من لا يزال يدافع عن أن النظام الإيراني يمكنه يوماً ما أن يكون نظاماً سياسياً طبيعياً كباقي الأنظمة في العالم. فقد أثبتت تفاصيل الدور الإيراني بعد القبض على أفراد الخلية وعندما ساعدت زوارق إيرانية سريعة المتهمين على الهروب إلى طهران، أن هذه المكاتب الثقافية أو المقار الدبلوماسية الإيرانية في الدول الخليجية ليست إلا أوكاراً للتجسس ونشر الأجندات السياسية الإيرانية أن الدبلوماسيين الإيرانيين لا يقومون بدورهم كما هو متعارف ضمن الأعراف الدبلوماسية، وبالتالي علينا ألا نستغرب لو قرأنا خبراً عن تجسس إيراني في أي دولة خليجية أخرى. التفسير السياسي للتصرف الكويتي ضد نظام الملالي، أنه مهما كنت حسن النية سياسياً مع توجهات نظام الملالي، إلا أن هذا النظام لا يمكن أن يغير من طبعه، وهو التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية والعربية، قد يكون ذلك جزءاً من العقيدة الأيديولوجية التي يؤمن بها النظام، والتي تخدم مبادئ الثورة الإيرانية، لأنه يفترض أن تكون دولة الكويت آخر دولة تفكر إيران أن تحاول التجسس عليها واختراقها، لأنها واحدة من الدول الخليجية والعربية التي تحتفظ بعلاقات أكثر من جيدة مع النظام الإيراني، الذي زار رئيسها حسن روحاني قبل ثلاثة أشهر العاصمة الكويتية من أجل التوسط إلى السعودية لعودة العلاقات الدبلوماسية معها، بل إن صانع القرار الإيراني يدرك أنها سببت حرجاً لدولة الكويت مع شقيقاتها الخليجيات. النظام الإيراني، المتورط دائماً، في محاولة زعزعة استقرار دول المنطقة، يؤكد أنه إذا ما أتيحت له فرصة اختراق المجتمعات الخليجية (المجال الحيوي له)، لن يتردد لحظة في الإساءة للدول الخليجية، وهو ما يدفعنا إلى القول إن القلق بدلاً من الاطمئنان لسياسة إيران ينبغي أن يكون هو أساس التعامل معها، وأن الإقدام على خطوة حسن النوايا ليس له أرضية في السياسة الإيرانية! ما يعني أن هذا السلوك الإيراني مع الكويت هو رسالة سياسية، لكل من يعتقد أن إيران يمكن أن تكون بديلاً سياسياً إقليمياً لدول خليجية، فالتدخل في سياسة الدول الخليجية بالنسبة لإيران هي «مراحل» لكل دولة، قد يتأخر هذا التدخل ولكن هو قادم بلا شك، أو هكذا يفسر لنا مساعدة المتهمين في «خلية العبدلي» سواء في ناحية تجنيد مواطنين كويتيين لإنشاء «حزب الله الكويتي» وتزويدهم بالسلاح والتدريب أو مساعدتهم في الهروب إلى إيران. وعلى هذا الأساس فإن النظرة إلى دور المكاتب الثقافية الإيرانية ينبغي أن تكون مبنية على «توقع غير المتوقع»، لأنها أثبتت في أكثر من دولة عربية أنها لا تؤدي الدور الذي أنشئت من أجله، بل إن ترك تحركات الدبلوماسيين الإيرانيين دون رقابة يكون نتيجته تجنيد أبناء الدول من ضعاف النفوس لخدمة أهداف السياسة الإيرانية الكارثية على المجتمعات من تغذية الخلافات الطائفية التي تؤدي إلى فوضى أمنية وسياسية كما حاولت أكثر من مرة في البحرين، فالكويت واحدة من أروع المجتمعات الخليجية تعايشاً بين المذاهب، ولكن السلوك الإيراني لا يعجبه. لذا فإن التساهل السياسي من بعض دول الخليج مع إيران ومحاولة تجاهل أو غض الطرف عما تفعله في دولة خليجية أو عربية مثل لبنان أو اليمن أو العراق تحت أي ذريعة سواء كانت الخلافات السياسية أو التنافس مع السعودية على النفوذ السياسي، أو الاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية وتجارية وثقافية هي مسألة كفيلة (لاحتواء) طموحاتها الإقليمية أو بمثابة (منفذ) للتهدئة في حالات الاحتقان السياسي الخليجي معها أمر يصعب قبوله أو تصديقه حتى إذا أراد أحد أن يقنع نفسه بهذا المنطق، لأن كل أسباب حسن النية التي يفترض تقديمها للدول فعلتها الكويت، ولكن هذا لم يشفع لها في مقابل «البراجماتية» الإيرانية التي لا تتوانى في الانحياز وبتطرف تجاه مصالحها، وهذا ما ينبغي أن يكون موجوداً لدى القيادة السياسية الخليجية والعربية. تجربة الكويت هي فرصة سانحة لصانعي القرار القطري وغيرها من الدول الخليجية التي تعتقد أن نظام الملالي في إيران يمكن أن يمثل بديلاً أفضل في التعامل من الدول الخليجية الأخرى، وفرصة كذلك للفهم المبكر لاستخلاص العبر، لأن الحديث عن الثقة السياسية مع نظام لا يراعي أي مبادئ سياسية هو بمثابة تربية حيوان مفترس ينتظر فرصة العودة إلى طبيعته. لا بد من الاحتفاظ بمسافة سياسية معقولة عن النظام الإيراني بغض النظر من على رأس السلطة، «محافظون» أو «إصلاحيون»، فهو نظام يعبر في كل موقف عن انتهازية سياسية كبيرة على مدى عقود أربعة، ومحاولة تعظيم فوائده من كل خطوة خليجية إيجابية معها، في المقابل بات من المؤكد أن إيران لامست في كل مرة قضايا خليجية يصعب التعاطف معها!