فعلاً إنها قمة التناقضات، والسعي الفج للحفاظ على جميع الأضداد والمتنافرات في مكان واحد، ولكن هذه هي قطر وطبعها الذي لا يتغير، بل الذي اعتادته أن تجمع بين النقيضين لغاية في نفسها، واللعب على جميع الحبال والعزف النشار على كل الأوتار في آن واحد، لتكون بذلك في موقع ملتبس يتيح لها الفرصة لأن تميل مع الريح حيث مالت، بغض النظر عن المبادئ والأعراف والأخلاق وأحياناً حتى المعتقدات، وكما يقال في المثل الشعبي «وين دار الهوى دُرنا»! والآن تسعى قطر لتكون ميداناً عسكرياً للآخرين مدججاً بالسلاح والعتاد. ولهذه القصة بداية غير مشوقة، وغير مشرفة، ففي تسعينيات القرن الماضي سعى حمد بن خليفة لجلب القاعدة الأميركية بعدما أطلق أبواق مرتزقة «الجزيرة» لإثارة الرأي العام السعودي لرفض وجود القاعدة الأميركية التي أنشئت للمشاركة في حرب تحرير الكويت، وظل النظام تنظيم الحمدين يتوسل سياسياً، ويتسوّل إعلامياً عبر الجزيرة، حتى تمكن من إقناع الأميركان بنقل تلك القاعدة إلى قطر لتكون في مأمن من أي اعتداءات إرهابية، صورت لهم الجزيرة أنها يمكن أن تقع داخل أراضي المملكة، وحرضت عليها أيضاً، وبالفعل تم جلب تلك القاعدة الأميركية التي تقع الآن في «العديد»، وتعتبر أكبر مخزن للسلاح والطائرات الحربية الأميركية خارج الحدود الأميركية، وتمتد على مساحة 35 كيلومتراً مربعاً، ومدرج الإقلاع فيها هو الأطول في منطقة الخليج العربي، وتضم أكثر من 10 آلاف جندي بصورة دائمة. وعلى الرغم من انطلاق المقاتلات الأميركية منها لضرب أوكار «القاعدة» والإرهاب في أفغانستان فإن قطر تحتفظ بعلاقات جيدة مع زعامات «القاعدة»، وتمولهم لتنفيذ سياستها، وتفتح أبواقها لهم كمنبر لرعايتهم المحمومة، ومنصة إطلاق لنشر أيديولوجيتهم المسمومة. ومع كل ذلك تعهد الأميركيون بحماية قطر من أي خطر خارجي، إلا أن قطر لم تكتف بهذا الحد، ولم تثق أيضاً في الإمكانيات الأميركية، ولذا فقد افتعلت عدة اتفاقيات أمنية أخرى بعضها بشكل استعراضي، وسعت لجلب عسكر الأتراك بدعوى توفير الحماية لها، وحفاظاً على أجندتها السياسية المهتزة في ظل شعورها بالمخاوف العميقة التي تسللت إلى نظامها بعد أن كشفت دول المقاطعة عن تورط قطر في العديد من الملفات الإرهابية، ودعمها للتنظيمات المتطرفة، وعملها على زعزعة استقرار جيرانها. ويصل قوام أفواج العسكر المترقب وصولهم لقطر نحو 5 آلاف عسكري، وإنشاء قاعدة لهم ستصبح القاعدة العسكرية الأولى لتركيا في الشرق الأوسط بعد انهيار الدولة العثمانية. إلا أن كل ذلك لم يكن بالمريح للقطريين خاصة مع إدراكهم أن الجانب التركي قد يغير رأيه في أي وقت دون اكتراث بهم أو الرجوع إليهم، فسعى النظام القطري جاهداً أيضاً لاستضافة قوات الحرس الثوري الإيراني، والكشف عن خفايا العلاقة السرية طيلة الـ20 سنة الماضية التي تربطه بطهران، بعيداً عن أنظار شعوب المنطقة، إلى أن تمت مقاطعة الدوحة لتنفضح تلك العلاقة بينها وبين طهران، فأقامت المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة، وإنعاماً في الهروب إلى الأمام بادرت بإنشاء قاعدة خاصة للحرس الثوري في قطر، وهنا تكتمل حبكة الكوميديا السوداء، فالجحر القطري يعود لعادته القديمة في اللعب على الحبلين، وخلط بين الغث والسمين، ففي الوقت الذي تفرض الولايات المتحدة العقوبات على نظام الملالي يوجد الجيشان في نفس الخندق، ويفترض أنه لنفس الهدف وهو حماية النظام القطري. وهو تناقض فج إن استمرأه القطريون، فلن يستمرئه الأميركيون، وهم أصحاب الشعار الشهير: إما معنا.. أو ضدنا! كما أن قطر عملت أيضاً على الجمع بين ألد الأعداء على الساحة السورية، وسعت لتوظيف كل متناقضات سوريا، وكل المتطرفين والإرهابيين في العالم، واستنجد النظام القطري بالأحضان «الإيراتركية» لحمايته من مغبة الوقوع في شر أعماله. ولولا الوساوس والهلاوس السياسية فكل تلك الإجراءات والقواعد الأجنبية والاحترازات القطرية ليس لها مبرر أصلاً، سوى الخشية من رفض تلك السياسات الرعناء من الداخل قبل الخارج، بالإضافة إلى تخوفهم أيضاً من أن تنتقم الدول المتضررة من ويلات الإرهاب وداعميه، حتى وصل عدد العسكر المستورد نحو 30 ألف عسكري، والعاملين لحماية 300 ألف قطري بمعنى 10% من عدد السكان في قطر تقريباً. وأيضاً يصل عدد القواعد الثلاث والمعسكرات المزمع إنشاؤها إلى حدود 5% من إجمالي المساحة الإجمالية لقطر، والتي تصل نحو 11 ألف كيلومتر مربع تقريباً، وتلك الأعداد قابلة للزيادة في ظل استمرار المخاوف القطرية إزاء ما يمكن أن يترتب على نظام الدوحة الداعمة للإرهاب والتطرف، والضالعة في التخريب في مختلف أنحاء العالم.