في بداية الأسبوع الحالي، أعلنت مؤسسة محمد بن راشد للأعمال الخيرية والإنسانية إتمام حفر وإنشاء 102 بئر لتوفير المياه الصالحة للشرب في 13 دولة أفريقية وآسيوية، استفاد منها 164 ألف نسمة، وذلك في النصف الأول من العام الجاري، وبتكلفة قاربت الثلاثة ملايين درهم. كما كشف عضو مجلس الأمناء، أن المؤسسة بدأت فعلياً في إنشاء 224 بئراً أخرى في النصف الثاني من هذا العام، لتوفير مياه الشرب النقية سواء للإنسان أو لسقي الماشية وري المزارع، يستفيد منها بشكل مباشر 100 ألف نسمة، وبتكلفة تجاوزت مليوني درهم. ويأتي هذه الإعلان بعد أيام قليلة من صدور تقرير عن «برنامج المتابعة المشترك»، بين منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف، الذي حمل عنوان «التقدم المتحقق على صعيد توافر مياه الشرب، والصرف الصحي، والنظافة العامة: تحديث 2017 تبعاً لأساسيات أهداف التنمية المستدامة». وأفاد هذا التقرير الذي يعتبر الأول من نوعه، أن واحداً من كل ثلاثة من بين أفراد الجنس البشري، أو ما يعادل 2.1 مليار شخص، لا تتوافر لهم حالياً مياه شرب نظيفة وآمنة داخل منازلهم، كما يفتقد 6 من كل عشرة أشخاص، أو ما يعادل 4.5 مليار، العيش في مجتمعات تتوافر فيها نظم صرف صحي حديثة تدار بشكل آمن. فعلى الرغم من أن المليارات من بني البشر أصبحت تتوافر لهم خدمات بدائية للصرف الصحي ومياه الشرب منذ عام 2000، إلا أن هذه الخدمات لم تبلغ بعد حد الأمن والنظافة الأساسيين، حيث لا يزال العديد من أماكن السكن، ومنشآت الرعاية الصحية، والمدارس، تفتقد مطالب أساسية، مثل الماء والصابون اللازمين لغسلي الأيدي، وهو ما يجعل صحة كثيرين معرضة لخطر الأمراض المنقولة بالماء، خصوصاً بالنسبة للأطفال. ويشير مصطلح الأمراض المنقولة بالماء (Waterborne Diseases) إلى حزمة من الأمراض تنتج عن العدوى بجراثيم مرضية، تنتقل إلى جسم الشخص بشكل مباشر عند استهلاكه لمياه ملوثة. وهذه الجراثيم إما أن تكون بكتيريا، كما هو الحال مع مرضي الكوليرا والدوسنتاريا، أو أن تكون فيروسات، كما هو الحال مع مرضي التهاب الكبد الفيروسي (أ) أو شلل الأطفال، ويمكن أيضاً أن تكون نتيجة طفيليات مثل الأميبيا، أو ديداناً مثل البلهارسيا والإسكارس، وغيرها كثير. وهذا التنوع الهائل، والتعدد الكبير لأنواع حزمة الأمراض المنقولة عن طريق الماء، يجعل توافر المياه النظيفة الصالحة للشرب، ونظم الصرف الصحي الجيدة والفعالة، ومجال إمدادات وإدارة المياه بوجه عام، أحد أهم أعمدة النظم الصحية المحلية، والدولية، على صعيد تجنب الأمراض المعدية والوقاية منها. وهذا يتضح من حقيقة أن 10 في المئة من إجمالي العبء المرضي الذي يرزح تحته أفراد الجنس البشري، من الممكن تجنبه ورفعه عن كاهلهم، من خلال الإجراءات والتدابير التي تعنى بإدارة مصادر المياه، وتوفير المياه الآمنة الصالحة للشرب، وبناء وصيانة نظم الصرف الصحي. ومن السهل إدراك تبعات هذا العبء المرضي من حقيقة أن 1.7 مليار طفل يتعرضون سنوياً لمرض ما من مجموعة أمراض الإسهال، التي كثيراً ما تكون نتيجة تلوث مياه الشرب، حيث تقتل أمراض الإسهال تلك أكثر من نصف مليون طفل سنوياً دون سن الخامسة، لتحتل بذلك المرتبة الثانية في قائمة أسباب الوفيات بين هذه الفئة العمرية. كما تعتبر أمراض الإسهال أيضاً هي السبب الرئيس لسوء ونقص التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة، وهو العبء المرضي الإجمالي الهائل، والممكن تجنبه بدرجة كبيرة، من خلال توفير مياه شرب صالحة وآمنة، وتطوير نظم الصرف الصحي، ورفع مستوى النظافة الشخصية. ويتعاظم حجم هذا العبء المرضي بشكل كبير في الدول والمجتمعات التي تعاني حروباً وصراعات مسلحة، حيث تبلغ معدلات افتقاد أطفال تلك الدول لمياه الشرب النظيفة أربعة أضعاف معدلات افتقادها بين أطفال العالم، وبمقدار الضعفين عندما يتعلق الأمر باستخدام نظم الصرف الصحي الحديثة. وهو التباين الذي يتكرر أيضاً بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، حيث يتمتع الجزء الأكبر من سكان المدن بشبكات مياه شرب آمنة، ونظم صرف صحي فعالة، في الوقت الذي يفتقد فيه السواد الأعظم من سكان المناطق الريفية -خصوصاً في الدول النامية والفقيرة- مثل هذه الخدمات، التي أصبحت تصنف كحق أساسي ضمن منظومة الحقوق الإنسانية الأساسية.