كان من المفترض أن أكون في إجازة، حاملة معي عدداً من مسرحيات شكسبير في محاولة للهروب من العاصفة والاندفاع عندما كان الرئيس دونالد ترامب يسافر إلى الخارج، في رحلة قادته إلى بولندا وألمانيا. ولكن كان هناك شيء مثير للقلق إزاء تصريحات ترامب في أول توقف له في وارسو، ببولندا -ولا سيما أن هذه التصريحات جاءت خلال أسبوع الاحتفال بعيد الاستقلال الأميركي. ذلك أن اختياره للكلمات، ولبولندا كمكان لإلقاء هذه الكلمات، يكشف التحدي الحقيقي الذي يواجه الديمقراطية الأميركية اليوم، من وجهة نظري الشخصية. ولاحظوا الرمزية في زيارة بولندا أولاً، قبل ألمانيا، حيث يرتبط ترامب بعلاقة صعبة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي يصفها البعض بالزعيمة الجديدة للعالم الحر. في حين أن الحكومة البولندية اليمينية المحافظة ظلت تسحب بلادها بشدة نحو نموذج ينزع بقوة نحو تشديد القبضة السلطوية. ولاحظوا أيضاً خطاب ترامب في ساحة البلدة القديمة في وارسو، وهي مركز الانتفاضة البولندية ضد النازية في عام 1944. وقد قال الرئيس مستخدماً لغة حادة، إن «السؤال الأساسي في عصرنا هو عما إذا كانت لدى الغرب الإرادة للبقاء على قيد الحياة. هل لدينا الثقة في قيمنا للدفاع عنها بأي ثمن؟». ولكن ما هي بالضبط القيم التي يسعى الرئيس للدفاع عنها بخطابه؟ أفترض أن التهديد الذي كان ترامب يشير إليه هو الهجرة، حيث قال: «هل لدينا ما يكفي من الاحترام لمواطنينا لحماية حدودنا؟» وأردف: «هل لدينا الرغبة والشجاعة للحفاظ على حضارتنا في مواجهة أولئك الذين سيخربونها ويدمرونها؟» وبعبارة أخرى، فإن الخطر الرئيسي على الديمقراطية، في رأي بالرئيس الأميركي، هو جحافل المهاجرين التي تهدد حضارتنا! وما يجعل هذا الخطاب غير عادي بدرجة كبيرة هو المكان الذي اختار الرئيس أن يلقيه فيه: في دولة قام وسيط السلطة الرئيسي فيها وهو «ياروسلاف كاتشينسكي»، زعيم حزب القانون والعدالة، بإعاقة المحكمة الدستورية فيها، وتشويه الرجال الذين قادوا الكفاح من أجل التحرر من موسكو في ثمانينيات القرن الماضي، وجعل وسائل الإعلام العامة موجهة. ولا عجب أن ترامب لم يستطع أيضاً مقاومة إغراء انتقاد وسائل الإعلام الكاذبة، والتنديد بشبكتي «سي إن إن» و«إن بي سي» مرة أخرى، بينما كان يقف إلى جوار الرئيس البولندي «أندجي دودا»، الذي يقول منتقدوه إنه يضيق بحريات الصحافة. وقد سأله ترامب: «هل عندكم هذا أيضاً، سيدي الرئيس؟»، فأومأ «دودا» بقوة موافقاً. وبعبارة أخرى، ففي المدينة التي سحق فيها النازيون المقاومة البولندية، وفي دولة ناضلت لتحرير نفسها من الهيمنة الشيوعية السوفييتية، اختار الرئيس الأميركي التنديد بوسائل الإعلام الأميركية، بينما وافق نظيره البولندي على ذلك بقوة! وفي العام الماضي، قال الصحفي البولندي الشهير «آدم ميشينك» لصحيفة نيويورك تايمز: «إن الهدف العظيم لحكومته هو إعادة تنظيم بولندا في نظام يشبه النموذج الروسي». وكان يعني حكومة ذات زخارف ديمقراطية تخفي النظام السلطوي الكائن تحتها. وفي الأول بدأت المجر، والآن بولندا، تتحرك في هذا الاتجاه. صحيح، أن الحكومة البولندية مؤيد قوي لـ«الناتو»، لأنها تخشي تعدي خصمها التاريخي، روسيا، الموجودة في الجوار. وفي وارسو، أعرب ترامب عن ولائه لـ«الناتو» منتقداً «نشاط روسيا المزعزع للاستقرار» في المنطقة. وبدلاً من صقل قيم «حضارتنا» في وارسو، أظهر ترامب كيف أنه يلحق الضرر ببعض هذه القيم من الداخل، ويضر بالصحافة الحرة بمجاملة مع زعيم بولندي قام باستهداف مؤسسات بلاده الديمقراطية. ومن الواضح أن ترامب ليس على دراية بكلمات «توماس جيفرسون»: «إن الأمن الوحيد للجميع يكمن في الصحافة الحرة. فقوة الرأي العام لا يمكن مقاومتها عندما يتاح لها التعبير بحرية. والإثارة التي تنتج عنها ينبغي الخضوع لها. فمن الضروري الحفاظ على المياه نقية». ترودي روبن محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»