تناول الرئيس دونالد ترامب في كلمته التي ألقاها في بولندا مؤخراً فكرة الحاجة إلى الدفاع عن الحضارة الغربية. ورأي كثيرون في تلك الكلمة مسعى من الإدارة الحالية لإعادة تحديد مهمة السياسة الخارجية الأميركية للانتقال من إقامة علاقات ونشر مبادئ الديمقراطية إلى موقف أكثر وقائية يرسم خطوطاً حادة بين الولايات المتحدة وبين من يُعتبرون تهديداً. وإحدى النقاط البارزة في هذا الصراع هي الجدل الداخلي بشأن أي وكالات الحكومة يجب أن يقرر السماح بدخول الولايات المتحدة. ومنذ إقرار قانون الهجرة والجنسية في عام 1952، أُوكلت هذه المهمة إلى وزارة الخارجية. لكن هذا التقليد يتعرض لإعادة النظر حالياً. وتتضمن وثيقة وضعها مستشارون بارزون من البيت الأبيض مقترحات لنقل مكتب الشؤون القنصلية ومكتب السكان واللاجئين والهجرة في وزارة الخارجية إلى وزارة الأمن الداخلي. وساعد ستيفن ميلر، المستشار السياسي بالبيت الأبيض، في صياغة الوثيقة. وذكرت تقارير أن ميلر يضغط على وزير الخارجية ريكس تيلرسون ليصبح «أكثر حسماً» في سياسة الهجرة والتدقيق واللاجئين في وزارة الخارجية. ونبّه مسؤول من البيت الأبيض إلى أن هذه المقترحات نتيجة جلسة استقصاء للأفكار ركزت على تحسين الكفاءة في وكالات الحكومة، ومن المستبعد الموافقة عليها. وصرح مسؤول آخر من البيت الأبيض أنه إذا لم يذعن تيلرسون لإحداث التعديلات التي يضغط ميلر وآخرون في البيت الأبيض على وزارة الخارجية كي تطبقها، فإن خطة تجريد الوزارة من دورها في الإشراف على هذه الوظائف قد تكتسب زخماً. صحيح أن خطط إعادة التنظيم الداخلية لوزارة الخارجية ما زالت قيد الفحص، لكن هيثر نويرت المتحدثة باسم الوزارة صرحت أن تيلرسون يعتقد بأن المكتبين يجب أن يظلا كما هما. وإذا تركت الوزارة هذين المكتبين فستفقد أكثر من 12 ألف وظيفة، وستفقد أكثر من ثلاثة مليارات دولار تحققها الرسوم القنصلية سنوياً. ويتعارض موقف تيلرسون مع «تقرير الاستماع» الذي كلفه بإعادة النظر في البنية التنظيمية لوزارة الخارجية والذي أوصى بالفعل بتسليم كل الوظائف القنصلية إلى وزارة الأمن الداخلي. والتقرير الذي ألفته شركة «انساينيام» الخاصة، زعم أن هذا الإجراء «سيعزز الأمن على حدودنا ويزيل مصدراً للاستياء والإحباط». ولا يتفق تيلرسون في هذه القضية مع كارل ريش، مرشحه لمنصب رئيس الشؤون القنصلية، الذي جادل ذات يوم أمام الكونجرس بأنه يجب نقل إصدار تأشيرات الدخول إلى وزارة الأمن الداخلي، مؤكداً أن هذه عملية إنفاذ قانون و«لا تمت بصلة للدبلوماسية». ويقف ديمقراطون بارزون في الكونجرس إلى جانب تيلرسون، ويستعدون للتصدي للبيت الأبيض إذا مضي قدماً في تنفيذ التعديلات. ويعتقد بنيامين كاردان العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أن «وزارة الخارجية يجب أن تظل وجه أميركا أمام العالم ونقطة دخول للأجانب وللأنشطة القنصلية وتوطين اللاجئين». ووصف مقترح البيت الأبيض بأنه «كارثي». ويرى إيليوت أنجيل العضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، أن وضع هذه المهام في أيدي سلطات تنفيذ القانون «يوحي بأننا ننظر إلى غير الأميركيين بعين الريبة، بل وربما باعتبارهم يمثلون تهديداً». والزعماء الجمهوريون في لجنتي العلاقات الخارجية في كلا مجلسي الكونجرس رفضوا الإفصاح عن موقف معين تجاه المقترح. ويرى السيناتور الديمقراطي كريستوفر كونز أنه لا يوجد ما يدل على أن نقل هذه الوظائف من وزارة الخارجية إلى وزارة الأمن الداخلي سيجعل الشعب الأميركي أكثر أمناً أو يجعل عملية منح تأشيرات الدخول أكثر كفاءة. وألمح كونز أيضاً إلى سياسات مناهضة الهجرة في البيت الأبيض، قائلاً إن المقترح «جذوره تمتد إلى موقف أنصار السكان الأصليين بشأن الهجرة الشرعية للولايات المتحدة». ويمثل ميلر نزعة أنصار سكان البلاد الأصليين في البيت الأبيض. وهو المؤلف الأساسي لحظر ترامب على السفر الذي استهدف ستة بلدان مسلمة. وميلر مؤلف كلمة ترامب التي ألقاها في بولندا التي صورت مهمة السياسة الخارجية باعتبارها تستند إلى التهديدات وليس العلاقات. وقال ترامب في كلمته: «السؤال الأساسي في عصرنا هو ما إذا كانت لدى الغرب إرادة البقاء؟». لكن الولايات المتحدة لن تستطيع تحقيق الاستقرار طويل الأمد في الخارج والأمن في الداخل إلا من خلال منهج إنساني غير تمييزي يقوده الدبلوماسيون، ويتكامل مع باقي نواحي السياسة الخارجية الأميركية. جوش روجين كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»