هل يمكن أن تصدر محكمة أميركية حكماً بالسجن المؤبد على شاعر أميركي لو نظم قصيدة حرّض فيها على قلب نظام الحكم في واشنطن، واتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم الوفاء للشعب بحقوقه، وذمّ نائبه مايك بنس بكلمات غير لائقة؟ للإجابة على هذا التساؤل يكفي أن نشاهد بعض أفلام هوليوود التي توجه أقسى الانتقادات لكل ما هو أميركي، ابتداءً بالنظام السياسي، ومروراً بمؤسسات الدولة، وانتهاء بالحضارة والقيم والثقافة الأميركية. هذا هو مستوى حرية التعبير في الغرب، أما في قطر، فقد حُكم على شاعر بالسجن المؤبد لأنه حرّض عبْر أبيات شعرية على قلب نظام الحكم، وطعن في ممارسة الأمير لسلطاته، وعاب في ذات ولي عهده بكلمات تفيد الذم، وهي تهم خطيرة وفق قانون العقوبات القطري، حيث تنص المادة 134 من ذلك القانون على أنه «يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات، كل من طعن بإحدى طرق العلانية في ممارسة الأمير لحقوقه وسلطاته، أو عاب في ذاته، ويُعاقب بذات العقوبة، كل من ارتكب فعلاً من الأفعال السابقة على نائب الأمير أو ولي العهد». وتنص المادة 136 على أنه «يُعاقب بالحبس المؤبد، كل من حرض بإحدى طرق العلانية على قلب نظام الحكم في الدولة، أو على الترويج له، أو دعا بإحدى طرق العلانية إلى اعتناق مذهب يرمي إلى هدم القيم الأساسية في الدولة، أو تغيير النظام الاجتماعي أو الاقتصادي القائم في البلاد باستعمال القوة، أو بطريق غير مشروع». لكن لماذا الحديث عن قطر في حين أن القوانين القطرية ليست فريدة من نوعها في هذه المنطقة؟ الجواب ببساطة لأن قطر تعاقب على القصائد المزعجة لنظامها بالسجن المؤبد، وفي الوقت نفسه يتطاول إعلامها على الدول العربية، وتستغل دعاوى حرية التعبير لتلميع رموز الإرهاب والتبرير لهم، وفوق هذا كله، تلفّ على الدول الغربية وهي تحمل لافتة «حرية التعبير»! الإشكالية مع «حرية الرأي» القطرية لها أربعة جوانب، الأول يتعلق بقطر التي تطرح أمام الغربيين مسألة لها مفهوم معين لديهم، يختلف عن مفهومه لدى القطريين الذي يذهبون خلف القضبان لأجل قصيدة، والجانب الثاني يتعلق بالدول العربية التي عانت من إعلام قطر طويلاً، هو نفسه الإعلام المغلق في وجه القطريين، والجانب الثالث يتعلق ببعض الدول العربية التي تتعرض للإرهاب والإعلام القطري يزيد النار حطباً، والجانب الرابع يتعلق ببعض منظمات الصحافة في الغرب، والتي تريد أن تتصوّر أن سلوك «الجزيرة» في تشجيع الإرهاب حرية رأي. القوانين القطرية التي تقيد حرية التعبير، كقانون العقوبات لسنة 2004، وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية لسنة 2014، وقانون المطبوعات والنشر لسنة 1979، هي نفسها القوانين العربية، وبعبارات التجريم ذاتها، كما أن طريقة تناول «الجزيرة» لقضايا الإرهاب في الدول العربية، لو حدث مثلها في قطر، وتناولتها «الجزيرة» بتلك الطريقة، لوقعت القناة تحت طائلة التجريم وفق قانون مكافحة الإرهاب القطري لسنة 2004. وفضلاً عن خرافة حرية التعبير القطرية، فما تصفه قطر بـ«حرية تعبير»، وما تعتبر بعض المنظمات الغربية أنه فعلاً حرية تعبير، يقع في خانة ترويج الإرهاب، حتى بالمعايير الغربية، ناهيكم عن المعايير القطرية الداخلية.