أظن أن كل واحد منا يتمنى أن يعرف أكثر عن أجداده؟ من كانوا؟ ومن أين جاؤوا؟ وكيف عاشوا؟ وحالياً تنشط مؤسسات في أوروبا وأميركا في التحري عن أرومة أصول كل واحد منا. «تيمو كراكه» (42 عاماً) من مدينة جاندركيزه القريبة من بريمن الألمانية من المدمنين على هذا البحث، ويعتبر عضواً نشطاً في الجمعية الألمانية للبحث في الجذور، وهو عاكف منذ عشرين عاماً على تتبع مصير أجداده الأولين، واستطاع الضرب في الجذور حتى عام 1415، فقد حالفه الحظ من العثور على ملكية أرض تعود إلى «ساندر أوبتي هورلو»، أحد أجداده، والذي بدوره كان يعيش زمن يوحنا جوتنبرج، مخترع الطباعة الأول، وهو الآن يتمتع بهذه الوثيقة بعد مرور 600 عام على حمل جدته العتيقة بجده في ظلمات التاريخ. يبدو أن جده القديم عاش طويلاً، نسبة لأعمار البشر آنذاك، فقد عمّر حتى سن 78 عاماً، وبينه وبين «كراكه» 20 جيلاً، إذا افترضنا أن القرن الواحد يقذف إلى الكون بأربعة أجيال بمعدل 25 عاماً لكل جيل في المتوسط. وينشط البحث حالياً في السويد وبريطانيا والولايات المتحدة، ويجتذب أكثر من 30 ألف باحث، وثمة أندية واجتماعات وتبادل معلومات على الإنترنت، يشارك فيها كل باحث عن أجداده. وتقول «إليزابيث تيم» (48 عاماً) إن البحث عن الأجداد المغيبين في بطن التاريخ هو بحث في الأنثروبولوجيا الثقافية، وهنا بالرجوع إلى 500 عام تتكوم الشجرة، لتضم أكثر من مليون إنسان، وهي كبة من الخيطان تختلط فيها الأنساب، ويصاب المرء بالدوار، فلا يعرف أين يتم اشتقاقه ومن أي رحم خرج، ومَن كان جد جده. ولفهم هذه الصعوبة علينا مراجعة «الكنز الألماني» في مدينة لايبزج، ومقابلة «ثيكلا كلوتيج» (48 عاماً)، وهي مديرة المركز الألماني للأنساب، حيث يمتد 21 رفاً من المخطوطات الثمينة، بطول كيلومتر، يضم ما يخطر وما لا يخطر على البال من محاضر الشرطة ووثائق الكنائس وشهادات الوفيات وآثار مخطوطة.. تم جمعها من كل أرجاء ألمانيا. تمد «كلوتيج» يدها إلى مخطوطة تعود إلى عام 1713، وتشير إلى الكتابة أنها غير مقروءة إطلاقاً، وقد كتبت على عجل، قائلة إنه جهد خارق أن نتوغل في التاريخ لمعرفة الأسماء والأشخاص والأحداث، حتى أسماء المدن تغيرت. علينا أن نعرف أن معظم التاريخ الأوروبي احترق في لهيب حرب الثلاثين عاماً (1618 -1648). وفيما يتعلق بالتاريخ الأوروبي يقوم حالياً مشروع «الماموت» لحفظ التراث، خاصة منذ الحرب العالمية الأولى، حيث جند 700 عضو من المنظمة أنفسهم منذ أن بدأت الكتابة الواضحة بالضرب على الآلة الكاتبة عام 1815، وهو مشروع يحتشد فيه عشرات الآلاف من جهات العالم جميعاً. في ربيع 2017 احتشد في مدينة مونستر الألمانية نحو 1200 زائر وهاو ومصمم وناشر ونقابي، ومن يريد رسم شجرته العائلية عليه دفع 2000 يورو، أما المثير في اللقاء فكان «سيلفيا دا سيلفا» (32 عاماً) التي كانت تؤشر لمن يريد معرفة نسبه، لتأخذ لطاخة من لعابه للفحص، ثم عليه الانتظار لمدة شهر، ليعرف من أين جاء، مع الاحتفاظ بسرية المعلومات. الألماني «كراكه» فوجئ بمعلومة لم يصرح عنها، وهي أن بعض المحيطين به، ووفقاً للفحص الجيني المذكور، يحملون أسماءهم بالخطأ وعليهم تغييرها. لمن يكون حظ الانتساب إذن؟ يقول «كراكه»: دعك من الفحوصات الجينية وانتسب لمن تحب. وأنا شخصياً يسرح بي الخيال بالاتجاه المعاكس، ليس أين عاش أجدادنا؟ بل كيف سيعيش أحفادنا من بعد؟ ولد أبي عام 1911 ومات عام 2001 عن عمر التسعين، والآن بعد قرن بلغ رقم الأحفاد 42.. فهل سيأتي من أولاد أحفاد أحفادي من سيقرأ مقالتي هذه؟ ربما سيقرأها مترجمة له!