يبدو لي أن المستقبل لربما يبدو قاتماً قليلاً، ولكن البعض يرى عكس ذلك لحسن الحظ، ففي مستقبل العالم العربي ستبرز أهمية الطاقة النظيفة بصورة لافتة للأنظار، ويتطور مفهوم تخزين الطاقة ليصبح مجدياً اقتصادياً، وبدلاً من «حقول النفط والغاز» سوف نسمع عن «الحقول الشمسية»، «والحقول المعرفية»، وإنْ كان كل ذلك يصطدم بتحدي ضعف ميزانيات البحث العلمي والتطوير وقلة الموارد البشرية المؤهلة للعمل في تلك الحقول. ومن معوقات نهضة العالم العربي، النزاعات والهجرات، خاصة أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشهدان أكبر نزوح شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن الأزمات الإنسانية المباشرة بسبب الصراعات في سوريا والعراق واليمن وليبيا، والصراع السياسي على تلك الدول التي تأخر الوقت عن وقف تحولها لدويلات، وتأثير ذلك على الاستقرار في الوطن العربي، فمن دون استقرار لا توجد تنمية، ولا تستطيع أي دولة أن تغرد تنموياً خارج السرب لفترات طويلة قبل أن تخضعها ويلات ما يدور حولها لنهج دروب لم تعهدها من قبل، ويكفينا أن نعرف أن «اليونيسيف» تقدر أن هناك 13 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب النزاعات. أما بالنسبة للذين ليسوا في مناطق الصراع، فلا تزال هناك مخاوف من عدم الاستقرار، سواء بسبب الإرهاب أو الحرب أو الصدمات الاقتصادية، بالإضافة إلى مسائل الهوية في عالم سريع الخطى، والضريبة التي سيدفعها سكان الدول ذات الاقتصادات النفطية من الإصلاحات الاقتصادية التي لا مفر منها كخطط إدخال الضرائب وخفض الدعم ورفع الدولة يدها عن نظام المعونات الاجتماعية، والتركيز على التمكين، ليتملك المواطن كل ما لديه بجهود ذاتية، والدولة سيقتصر دورها على توفير القوانين والنظم والبنية التحتية، ويكون المواطن هو مصدر الثروة للوطن وليس العكس. وفي ظل تزايد مساحة التعبير والكسب المادي وامتهان وظائف غير تقليدية في العصر الرقمي، وزيادة الجرأة للتعبير عن الأفكار والرؤى، سيتقلص دور الحكومات التقليدية، وتتحول الحكومة إلى أخ أكبر للسكان وراعٍ ذهبي لنشاطاتهم، خاصة أن الشعوب العربية شعوب شابة، ومَن تتراوح أعمارهم بين 15 و29 وفق التقرير الصادر في عام 2016 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تبلغ نسبتهم 27.9% من السكان، وهو أكبر عدد في تاريخ المنطقة حسب التقرير، وسيبقى هذا الزخم السكاني إلى العقدين القادمين على أقل تقدير. وفي المقابل بحسب بيانات أصدرتها منظمة العمل الدولية في جنيف في سنة 2016، ستحافظ البلدان العربية على مركزها كأعلى موطن لبطالة الشباب في العالم، رغم أن هناك توقعات بأن تنخفض النسبة بمقدار أقل من نقطة مئوية (0.9%) في العام الحالي لتصل إلى 29.7%. وفي ظل هذه المعطيات، لا يمكن أن نستمر في نمط التعليم والتأهيل الحالي، حيث ستصبح الوظائف أكثر مرونة وأقل أماناً، وحتى تتمكن أكبر نسبة ممكنة من السكان من العمل لحسابها الخاص، لابد من الهياكل المؤسسية البعيدة عن المركزية والنمطية، ويصبح التدريب المستمر على العمل والتعليم عنصراً حاسماً في المحافظة على المواهب، ليكون لكل مؤسسة حكومية تنظيم تعليمي ذكي أصيل في جوهرها التنظيمي. وأتوقع أن تقود المشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم مستقبل الاقتصاد في العالم العربي، وتكون الأفكار الجديدة وطرق العمل الإبداعية هي المحرك الحقيقي للاقتصاد، وستنمو الحكومات الإلكترونية لتتفاعل مع مواطنيها بطريقة تناسب وتيرة التغيير السريعة، وسيصبح النشاط الاجتماعي أسهل في العصر الرقمي، ويكون التباعد الاجتماعي السائد بين الأسر لتتفكك الأسرة في العالم العربي بصورة غير مسبوقة، وترتفع نسبة الجريمة. ومن الناحية السياسية، لن تكون مصر جزءاً حيوياً من سياسة الولايات المتحدة الإقليمية، وتنمو العلاقات العربية مع إسرائيل، ويطبع العرب مع الحكومة الإسرائيلية، وتكون القواعد الخاصة بالدول الكبرى أمراً طبيعياً في المنطقة، ولا يحتمل النقاش في ظل الكم والكيف ونوع التهديد الذي يواجه العالم العربي، وسيكون هناك توافق محتمل بين الولايات المتحدة وروسيا، وسيلقي بظلاله على ملف الأمن في العالم العربي، ويكون تقسيم العالم العربي أمراً مقبولاً يفرض على العالم العربي، ولن يكون له الخيار فيه، وسوف تتفق الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على ضرورة التعامل مع إيران وفق استراتيجية مشتركة، وستدعم جميع الدول السنية هذه الاستراتيجية دون الدخول في صراع عسكري مع إيران وتقاسم النفوذ معها، ويكون التنافس التركي الإيراني هو الصراع الأكبر في مستقبل الشرق الأوسط.