في أكتوبر 2014، دعا الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الدروز إلى العودة إلى الإسلام الحقيقي وبناء المساجد، مؤكداً أنه سيبني مسجداً في المختارة مقر زعامة آل جنبلاط، وأن دعوته مبعثها جهل بعض شرائح الطائفة بأنهم انبثقوا من رحم الأصول الإسلامية. تؤكد الأديبة والباحثة السورية نجاة عبدالصمد في دراسة/ شهادة لها نادرة لم تنشر بعد، أن التغيير قد طال مجتمع الدروز داخلياً، فمع ثورة الاتصالات وإتاحة الإنترنت في سوريا، انفتح الشباب على مفاهيم الحداثة وأمكنهم الاطلاع على النصوص الدينية الدرزية، وأخذوا يطالبون بضرورة النقد العلمي والموضوعي للمرويات المتوارثة عن الآباء، البيضاء حكماً، قبل التسليم بها كموروث ثقافي مقدس، وقابلهم المتدينون بأن النص الديني منزه عن النقاش أو التحوير أو حتى إبداء الرأي تجاهه. ومع بدء الاضطرابات السورية عام 2011، اتخذت الشريحة العظمى من الدروز موقف الحياد في صراع لا ترى نفسها جزءاً منه. تقول عبدالصمد مع طول أمد النزاع المسلح على مختلف الجبهات السورية، وظهور الكتائب الإسلامية المتطرفة وإعلانها تكفير الآخر (ومن ضمنه الدروز) وتحليل قتله واستباحة مقدساته كجزء من عقيدتها القتالية، فقد استعادت -حسب الباحثة- غالبية الدروز ذاكرتها الجمعية عن سنوات المحن القديمة في تاريخها، كما بالغ الإعلام في إذكاء رعبها من محن قادمة، أو من حرب إبادة على خلفية مذهبية، مما زاد في خوفها من محيطها وانكماشها على نفسها، واستجر ردود فعل معقدة داخل مجتمع الدروز. وتقول الدراسة: انكفأت شريحة المتنورين والعقلاء على نفسها حين علا صوت السلاح، ومال المزاج العام إلى إعادة إحياء (البيارق العائلية) ودخول العائلات الصغيرة في أحلاف مع العائلات الكبيرة بما يشبه وثيقة الدم التي كانت قبل عهد الدولة، كما لجأ عوام مهمشون ومسلحون من القاع الاجتماعي إلى ملاذ الدين. تزامن هذا السلوك مع تزايد أعداد النازحين إلى السويداء حيث الغالبية الدرزية حتى أصبح يساوي عدد سكانها أو يزيد، مما قد يؤدي إلى تغير البنية الديموغرافية، شبه النقية، لمجتمع الدروز لصالح النازحين، وخوف الدروز أن ينتهي بهم الأمر بأن يصبحوا (أقلية) في أرضهم ويعودوا إلى نقطة الصفر. تذكر نجاة عبدالصمد أن الدروز اتخذوا موقف الحياد خلال السنوات الست المنصرمة بسبب غياب المشروع الوطني السوري لدى جميع الأطراف، وما أفضى إليه غياب هذا المشروع من رسم للحدود النفسية بين مختلف الجماعات في سوريا بعوامل من داخل هذه المجتمعات نفسها، وبمؤثرات من خارجها ومن خارج البلاد، أفضت جميعها إلى صناعة العزلة والانكفاء والعجز والفوضى، وإلى مسيل دم الأبرياء من كل دين ومذهب، كخسائر إنسانية لدم إنساني يحمل الجميع تركيبته الواحدة أياً كان دينهم أو مذهبهم. إن المراقبة الدقيقة لهذا التحول الكبير في أوضاع الأقليات الطائفية والدينية في المجتمعات الخليجية وفي الدول المجاورة لها ودراسة آثاره ومآلاته يجب أن تكون ضمن اهتمامات الباحثين والخبراء وعلماء الاجتماع. فقد انحصرت إلى حد كبير في السنوات الماضية الدراسات بمدى تأثير الإرهاب وصعود خطر «داعش» والتنظيمات المسلحة على المجتمعات السنية والعالم الغربي ليس استثناء، وكان الأكراد والإيزيدية استثناء بحكم المآسي الإنسانية التي تعرضوا لها والتي أسهم الاهتمام الدولي ووسائل الإعلام في تسليط الضوء عليها. ولكن ما هو أبعد غوراً سؤال مهم: ما هي نظرة هذه الأقليات للسنة الذين جاوروهم مئات السنين ومن أبنائهم أنفسهم تولدت المنظمات الإرهابية، كيف هي الآن نظرتهم لمستقبلهم بعد قرون كانوا فيها يربطون مصيرهم بهم، ويرون أنفسهم جزءاً من الفضاء الثقافي والسياسي والديني بشكل عام.