بينما كان المتوقع أن تتخذ الدول الأربع المقاطعة، إجراءات متشددة ضد قطر، فإنها آثرت الحكمة في التروي وتجنب التصعيد بالذهاب بعيداً، حتى لا توصد الأبواب أمام عودة قطر لو تراجعت عن مكابرتها. وإن قطر سلمت، بهذه المبادئ العامة التي تشرحها المطالب الثلاثة عشر، فستدرك أن هذه المطالب هي فقرات تنفيذية للمبادئ المستمدة من المواثيق الدولية. لم تقف قطر عند الأسوار الشائكة، بل قفزت عليها. وفي ضوء نكران الدوحة ومكابرتها، اضطرت الدول الأربع للمقاطعة، ردعاً لقطر عن دعم التطرف والإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى. لقد خرجت قطر إلى الخارج تشتكي، مدعيةً أنها تتعرض لحصار وأظهرت «مظلوميتها»، كما استدعت تركيا لإنشاء قاعدة لها على الأراضي القطرية. وبدأت اتصالات بأميركا ودول الاتحاد الأوروبي، لإقناعها جميعاً بصحة موقفها! وبعد تسلم الدول الأربع المقاطِعة الرد القطري غير الإيجابي على المطالب، اجتمع وزراء خارجية الدول الأربع، يوم 5 يوليو 2017، للتشاور حول الجهود الجارية لوقف دعم دولة قطر للتطرف والإرهاب ولإنهاء تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولبحث مواجهة التهديدات المترتبة على السياسات القطرية ضد الأمن القومي العربي والسلم والأمن الدوليين. لقد تم التأكيد على أن موقف الدول الأربع يقوم على الاتفاقيات والمواثيق والقرارات الدولية والمبادئ المستقرة في مواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي واتفاقيات مكافحة الإرهاب الدولي، مع التشديد على المبادئ الستة: 1- الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بكل صوره ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة لهما. 2- وقف كافة أعمال التحريض وخطابات الحض على الكراهية والعنف. 3- الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013 والاتفاق التكميلي وآليته التنفيذية في إطار مجلس التعاون الخليجي. 4- الالتزام بكافة مخرجات القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض، يومي 20 و21 مايو 2017. 5- الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم الكيانات الخارجة على القانون. 6- مسؤولية كافة دول المجتمع الدولي عن مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب، بوصفها تمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. ومن حيث المبدأ فإن حل أزمة قطر لا يزال ممكناً في إطار مجلس التعاون الخليجي، مع وجود التشاور مع أميركا التي تؤيد حل الأزمة بوساطة كويتية. لقد اتصل وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، بنظيره القطري خالد محمد العطية، وأكد له «أهمية خفض التوتر»، من أجل أن يتمكن كل الشركاء في منطقة الخليج من تسوية خلافاتهم. وإنْ دافع البعض عن الوجود العسكري التركي في قطر، بالقول إنه يدخل في إطار ارتباط تركيا بـ«الناتو»، فإن تقارب قطر مع إيران ينطوي أيضاً على محاولة من الأخيرة للاستفادة من أزمة قطر، وعلى وهْم في دوائر صنع القرار في طهران بأن الأزمة الحالية سوف تزعزع منظومة مجلس التعاون الخليجي. طبيعة النظام الإقليمي، كمنظومة إقليمية، تسمح لأعضائه بالمنافسة وأحياناً بالخصومة، لكن دون الوصول إلى الحرب. ونظرية النظام الإقليمي لا تسمح لقطر بالاستمرار في رفضها متطلبات العمل الجماعي أو بالخروج على المنظومة الخليجية. أميركا تحتاج لهذه المنظومة الإقليمية ككتلة اقتصادية في منافساتها الدولية. ومجلس التعاون استمر وسيستمر لأنه فرع من النظام الدولي، بينما هناك منظومات عربية اختفت. مقاطعة قطر، قد تكون حدثاً غير متوقع. وفي مفهوم لعبة تدوير المشاهد في النظام الإقليمي، قد يؤدي الحدث إلى تغير في المنظومة الإقليمية، بحيث تعيد تشكيلتها من جديد، ومن هنا فقد تتكيف قطر لصالح هذه المنظومة، وفق معايير جديدة متفق عليها، وتتقارب مع النظام الدولي. والسؤال الحيوي الآن: إلى متى تستمر أزمة قطر؟ هناك من يراهن على إطالتها، لكن الزمن كفيل بحلها، وقد يكمن حلها في التصعيد من جانب الدول الأربع المقاطعة.