ظل سكان قرية جب الذيب الفلسطينية الشديدة الفقر الواقعة في الضفة الغربية ينتظرون دخول الكهرباء لقريتهم لعقود طويلة. وفي شهر نوفمبر الماضي منحهم مشروع لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، ممولٌ من قبل هولندا، فرصة الحصول على طاقة كهربائية على مدار ساعات اليوم، لإنارة بيوتهم وتبريد مأكولاتهم، أو غسيل ملابسهم. ولكن كل هذا انتهى الأسبوع الماضي، عندما أرسل المسؤولون الإداريون العسكريون الإسرائيليون في الضفة الغربية، جنوداً مسلحين ببنادق هجومية، وفريقاً من العمال لإغلاق المشروع، الذي بلغت تكلفته 400 ألف دولار، حيث قاموا بانتزاع مكوناته الكهربائية، وصادروا 96 لوحاً للطاقة الشمسية. ووصف الإسرائيليون عمليات بناء منشآت المشروع بأنها غير قانونية، ولكن الجهات التي قامت بالبناء نفت تلك التهمة، وقالت إنها منشآت توفر مساعدة إنسانية مطلوبة بصورة ماسة بموجب القانون الدولي. وقالت فادية الوحش، رئيسة لجنة المرأة في القرية، بعد ساعات مغادرة الجنود الإسرائيليين حاملين معهم معدات المشروع: «إن ما حدث كارثة، ونحن جميعاً في حالة حزن شديد الآن». ومصادرة ألواح الطاقة الشمسية، ومكونات المشروع المذكور، كانت هي الحلقة الأخيرة من صراع يزداد اتساعاً على الدوام، بين المانحين الأوروبيين والحكومة الإسرائيلية، حول المشروعات التي تفيد الفلسطينيين في المنطقة «ج»، التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة، المحتلة من قبل إسرائيل. وقد أدلى «ديرك-جان فيرميج»، المتحدث باسم وزير الخارجية الهولندي «بيرت كويندرز» بتصريح قال فيه: «لقد احتجت هولندا على الفور على السلطات الإسرائيلية، وطالبت بإعادة المواد المصادرة. ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته ناقش الأمر مع نتنياهو». ومن جانبه، امتنع «إيمانويل ناشون» المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية عن التعليق، وأحال الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع إلى «قسم التنسيق العسكري للأنشطة الإسرائيلية في المناطق» المعروف اختصارا بCOGAT. وقال متحدث باسم COGAT في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن الألواح الشمسية والكهربائية قد جرى تركيبها من دون الحصول على التراخيص اللازمة من السلطات الإسرائيلية المختصة. وهذه الواقعة تبين بعض جوانب المعاناة التي يكابدها الفلسطينيون في الضفة الغربية. فلسنوات طويلة، ظلت إسرائيل ترفض الطلبات المقدمة من الفلسطينيين للحصول على التراخيص اللازمة للبناء في المنطقة «ج»، وعندما كانوا يقومون، نتيجة لهذه المماطلة، بالبناء من دون الحصول على تلك التراخيص، تبادر السلطات الإسرائيلية للقول بأن المباني التي أقيمت تعتبر تحت طائلة الهدم، لأنها لم تحصل على التراخيص اللازمة من أجل إقامتها. وقال الاتحاد الأوروبي في تقرير حديث إنه كانت هناك «زيادة استثنائية» في حالات المصادرة والهدم للمشروعات الفلسطينية الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي من جانب السلطات الإسرائيلية، التي تواجه ضغطاً من المستوطنين الإسرائيليين الذين يطالبونها بإغلاق تلك المشاريع. وقالت مصادر الاتحاد الأوروبي أيضاً إن عدد المشروعات الممولة من قبله التي قامت إسرائيل بمصادرتها قد بلغ 117 مشروعاً خلال الفترة من سبتمبر من العام الماضي حتى فبراير من العام الحالي. من جانبه قال داني دانون، السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إنه يرى دوافع سياسية وراء مشاريع البناء الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي، كما ذكرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل». واعتبرت مجموعة «بتسيلم» الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان أن «عدم وجود تصاريح هو العذر المتكرر الذي تلجأ إليه السلطات الإسرائيلية للإيهام بسلامة ما تقوم به من إجراءات ضد الفلسطينيين». وقال «مايكل سفارد»، المستشار القانوني لمؤسسة «كوميت-مي» وهي مؤسسة إسرائيلية- فلسطينية، قامت بتركيب نظام الطاقة الكهربائية الشمسية، إنه سيقاوم قرار إسرائيل بإغلاق المشروع، وسيستأنف القرار أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، على أساس أن إسرائيل بقرارها هذا، قد انتهكت القانون الدولي من خلال لجوئها لهدم مشروع مقدم في إطار مساعدات إنسانية من دون توفير بديل. وقد وُصف مشروع الطاقة الشمسية في «جب الذيب» بأنه نجاح ملهم للجنة المرأة في القرية، المدربة على التعامل مع حالات الطوارئ الطبية. وفي إحدى فعاليات اليوم العالمي للمرأة، التي أقيمت في مارس الماضي، في رام الله، وصفت «آمنة الوحش» التحول الذي حدث في قريتها بفضل المشروع بقولها: «لقد أصبحت لدينا ثلاجات، وغسالات كهربائية، وأصبح أطفالنا قادرين على المذاكرة في أي وقت» وأضافت: «لقد كنا سعداء بشكل لا يوصف». وعندما قالت ذلك صفق لها الحاضرون الذين كانوا يضمون أيضاً مانحين أميركيين وأوروبيين. آن ماري أوكونور محررة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»