في شهادته الأخيرة أمام الكونجرس، شدد ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي (وكان محقاً في ذلك) على أن الولايات المتحدة «يجب أن تعمل على دعم العناصر الموجودة داخل إيران، التي يمكن أن تقود عملية انتقال سلمي للحكم فيها». وأثارت هذه الشهادة دهشة المحللين والمعلقين، ودعت الحكومة الإيرانية إلى تقديم مذكرة احتجاج رسمية. وقد بدا الطرفان -المحللون والحكومة الإيرانية- كما لو كانت الدهشة قد تملكتهما، عندما عرفا أن الولايات المتحدة ظلت لفترة طويلة من الزمن، تساعد العناصر الساعية للتغيير الديمقراطي في إيران. معلوم بهذا الشأن أن وزراء الخارجية الأميركيين المتعاقبين ظلوا طيلة فترة الحرب الباردة يؤكدون بشكل روتيني للمسجونين خلف الستار الحديدي في إيران، أن الولايات المتحدة تدعم طموحاتهم، ونظراً لأن إيران محكومة الآن من قبل «مرشد أعلى» متقدم في السن، هو خامنئي، فإن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لمواجهة احتمال حدوث عملية انتقال للسلطة هناك، قد تعجل بانهيار النظام ككل. وفي منطقة تتناثر فيها دول فاشلة، عادة ما يساء تصنيف إيران ووصفها بأنها واحة للاستقرار في المنطقة، لكن الحقيقة أن تاريخ الجمهورية الإسلامية حافل بالاضطرابات، وكان في معظم الأحيان عبارة عن صراع مستمر بين النظام السلطوي والسكان القلقين الساعين للتمكين الديمقراطي. وعندما تولى السلطويون زمام الحكم، خاضت الأوليجاركية الدينية معارك شوارع دموية لقمع الأعضاء الآخرين في التحالف الثوري، الذين لم يشاركونهم رغبتهم في إقامة ديكتاتورية ثيوقراطية. وفي تسعينيات القرن الماضي، واجهت الأوليجاركية الدينية الإيرانية صعوداً لحركة الإصلاح، التي تظل حتى الآن هي صاحبة المحاولة الأكثر إثارة للاهتمام في مجال المواءمة بين الدين والتعددية. في تلك المحاولة، تحدث الإصلاحيون عن إعادة النظر في دعاوى الخميني الإطلاقية، وتوسيع المجتمع المدني، وخلق وسائل إعلام قادرة على النقد. وكان رد فعل النظام استخدام مزيجه المعتاد من الرعب والإرهاب لخلخلة الحركة وإزاحتها من مكانها. وبعد ذلك جاءت «الثورة الخضراء» في صيف 2009 لتنزع الشرعية عن النظام للأبد وتقطع الروابط بين الدولة والمجتمع. الشيء الوحيد المؤكد بشأن مستقبل إيران، هو أن هناك حركة احتجاجية أخرى ستندلع في نقطة ما من المستقبل، للإطاحة بالنظام. وحالياً نجد أن إيران تتحرك بتثاقل وتعثر، تماماً مثل الاتحاد السوفييتي في سنواته الأخيرة، قبل انهياره النهائي. فالنظام يتحدث بعبارات أيديولوجية لم تعد تقنع أحداً، كما يوجه أوامره لقوات الأمن التي أثبتت أنه لا يمكن الاعتماد عليها. وحالياً كذلك تلمس المدارس الدينية في مدينة قم، مدى الضرر الذي ألحقته الحكومة الدينية بالإسلام، والذي أدى إلى خلو المساجد من المصلين حتى خلال المناسبات الدينية المهمة، فالشبان الإيرانيون لا يرغبون حالياً في أن يصبحوا رجال دين، كما أن الفتيات الإيرانيات لم يعدن يرغبن في الزواج برجال دين كما كان الحال في السابق. أما النظام نفسه فغارق في الفساد، وهو ما يمثل معضلة لنظام يبني سلطته كما يقول على الإرادة الإلهية السامية! وإلى ذلك نجد أن النظام لم يعد قادراً على إدارة عملية خلافة منصب المرشد الأعلى، نظراً لانقسام فصائله من جهة، وللاستياء الشديد الذي يعم المجتمع الإيراني تجاه السلطة من ناحية أخرى. لكن النظام الإيراني لديه مع ذلك شيء واحد في صالحه، وهو نجاحه في توقيع الاتفاقية النووية مع المجتمع الدولي. ومن ناحيته، قام تيلرسون بوضع علامة طريق، يفترض أن تساعد على توجيه سياسة الولايات المتحدة الخارجية. والمهمة الملقاة على عاتق الإدارة الحالية هي دراسة الطرق الممكنة لاستغلال أزمة إيران الوشيكة عند وقوعها، وإزاحة واحد من أكثر أعداء أميركا عناداً. راي تقية زميل رفيع المستوى في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»