عندما كنت أكتب هذا المقال، كانت الولايات المتحدة تحتفل بالذكرى ال241 لاستقلالها عن بريطانيا، على الرغم من القلق العميق الذي ينتاب البعض هذه الأيام حول المستقبل العام. ومنذ سنوات عقد السبعينيات، لم تواجه أميركا مثل حالة الانقسام والشحن الداخلي التي نراها اليوم فيما يتعلق بقضايا مختلفة. وحتى الآن، لم تتمكن الإدارة من الارتقاء في أدائها إلى مستوى التوقعات المرتفعة التي ينتظرها منها مؤيدوها. ولا تزال إنجازاتها التشريعية محدودة فيما يتعلق بالبرامج التي اقترحتها، والتي تتنوّع بين إصلاح قانون الرعاية الصحية (أوباماكير)، وحتى تنفيذ البرنامج الضخم لإعادة تجديد وتأهيل البنى التحتية. وربما يعود سبب ذلك إلى حالة الشلل التي تسود الكونجرس الأميركي والخلافات المستعصية حتى بين أعضاء «الحزب الجمهوري» حول أطروحات البيت الأبيض، وعدم معرفة ما يجب فعله لتخطّي هذه الأزمة. وعلى صعيد الجبهة السياسية الدولية، يبرِزُ معارضو الإدارة مؤشرات يرونها مثيرة للقلق، تحدّث عنها أحدث تقرير صادر عن «مؤسسة بيو»، وقد نُشر خلال شهر يونيو الماضي حول المواقف الخارجية للولايات المتحدة. ومن خلال استبانة شمل 37 دولة أجنبية، عبّرت 64 بالمئة منها عن أنها كانت تتبنى آراء ومواقف أفضل حول رضاها عن سياسات الولايات المتحدة عند نهاية عهد إدارة أوباما. وأشار التقرير أيضاً إلى أن هذا الرقم انخفض إلى 49 بالمئة منذ بداية عهد الإدارة الحالية. وبلغت نسبة الدول التي تثق بهذه الإدارة 22 بالمئة. وفي استطلاعات الرأي التي شملت 37 دولة، تفوقت الإدارة الحالية على سابقتها في نسبة التأييد في دولتين فقط هما روسيا وإسرائيل. وكانت نسبة تأييد الإدارة الحالية منخفضة بشكل خاص في الدول التقليدية الحليفة للولايات المتحدة، مثل كندا والمكسيك وبلدان أوروبا الغربية بما فيها بريطانيا. وفي قضايا محددة متعلقة بالسياسة الخارجية، كان تردد الإدارة في انتقاد فلاديمير بوتين على سلوكه في أوكرانيا، وتدخل بعض الرجال من أبناء جلدته في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، هو الذي أثار خلافاً بين الإدارة وبين عدد من أعضاء الحزب الجمهوري الذين ينظرون إلى روسيا باعتبارها التهديد الأخطر للولايات المتحدة على المدى البعيد. أما فيما يتعلق بما إذا كانت الإدارة الحالية راغبة في كبح طموحات بوتين، فهذا سيظهر من نتائج لقاء القمة الثنائية الأميركية الروسية هذا الأسبوع على هامش اجتماع قمة الدول الاثنتين والعشرين الكبار (جي 22) في ألمانيا. ولعل الشيء الأكثر إثارة لقلق العديد من الأميركيين هو ذلك المتعلق بالشكاوى التي كثر تكرارها ضد الصحافة، وربما الإفراط في الحديث عن الإنجازات، مما يثير القلق لدى معارضي الإدارة من أنها لا تحتكم إلى الخلفية السياسية المناسبة لأقوى دولة في العالم. وربما يكون من دواعي الدهشة أن يتداول البعض حديثاً عن توجيه تهم بالتقصير في أداء المهام العمومية، رغم أن الإدارة ما زالت في بداية مهمتها، وهو حديث بات جزءاً من النقاش اليومي لبعض النخب السياسية. وتتوفر الآن لهذه الإدارة عدة طرق لتصحيح الأمور فيما يتعلق بالانتقادات الخارجية وموقف الشعب الأميركي منها. فلو تمكنت بالفعل من استعادة عدد كبير من وظائف العمل المهاجرة إلى دول العالم المختلفة، عبر الشركات الأميركية متعددة الجنسيات، وتوطينها وتوفيرها للمواطنين الأميركيين، ولو عملت كل ما بوسعها لتحسين سمعة الولايات المتحدة في أوروبا، وإظهار نوع من التعاطف في قضايا ترتبط بظاهرة تغير المناخ، فمما لا شك فيه أن الأمور سوف تتطور لمصلتها. وفيما عدا هذا، يصعب أن يتحقق ذلك الهدف إلا في حالة تعرّض الولايات المتحدة لحادث إرهابي خطير، أو لنوع ما من الكوارث الطبيعية يمكن للإدارة أن تُبرز من خلاله مواهبها وقدراتها على توحيد الرأي العام الأميركي. إلا أن الإصرار على دعوة الصين للعب دور أكبر للمساهمة في حل المشكلة المستعصية مع كوريا الشمالية، والاعتقاد بأن «جاريد كوشنير» يمكنه أن يضع حداً للصراع العربي الإسرائيلي.. فكل ذلك يبدو مجرد وجهات نظر غير عملية في هذا الزمن الذي نعيشه. وتقع ضرورة إيقاف الحرب الحالية ضد وسائل الإعلام الأميركية في قمة الأولويات، وهي الحرب التي أصبحت تحتل حيّزاً كبيراً من الأخبار، وخاصة منها تلك التي أثارتها تصريحات أعطت الانطباع بأن الإدارة حساسة وذات ميل قوي لمجابهة أي نقد يوجّه إليها مهما كان نوعه. وفي حال عدم الأخذ بهذه التصويبات، وواصلت الإدارة سلوكياتها الراهنة، فسوف تشجع بذلك على تزايد المواقف المعارضة لها داخل الحزب الجمهوري. ولا يمكن إلا لكبار قادة الحزب أن يسلّطوا على الإدارة الجديدة الضغوط من أجل إقناعها بتغيير سلوكياتها. وكثيراً ما أثبت هؤلاء افتقارهم إلى العزيمة والشجاعة الكافية لمحاولة فعل ذلك، وهذا هو بالضبط ما يثير قلق بعض الأميركيين، فيما هم يحتفلون بذكرى الاستقلال واستعادة الأمل.