أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 29 يونيو الماضي نهاية «دولة داعش» في العراق، قائلا إن «استعادة جامع النوري، ومنارة الحدباء، وتفجير عناصر التنظيم لهما، إعلان بانتهاء دويلة الباطل الداعشية». وكانت عملية تحرير الموصل قد انطلقت في أكتوبر 2016. وتشارك في هذه العملية، إلى جانب الجيش العراقي، تشكيلات الحشد الشعبي، وقوات البيشمركة، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وكان «داعش» قد استولى على مدينة الموصل في يونيو 2014، حيث أعلن منها زعيمه (البغدادي) تأسيس دولة «الخلافة»، زاعماً أنها عاصمة الدولة المزعومة في العراق. فتحرير الموصل يعني نهاية كيان «داعش». فما هي ملامح العراق ما بعد «داعش؟ عراق فيدرالي أم كونفدرالي؟ عراق مركزي أم محافظات ذات صلاحيات واسعة جديدة؟ وما هي الحدود الجغرافية للعراق؟ وهل تبقى الحدود الحالية في مرحلة تلاشي دويلة «داعش»؟ وما هي تداعيات التحرير؟ وهل تتمكن الحكومة المركزية في بغداد من إدارة مخاطرها؟ أسئلة طُرِحت وتُطرَح مع تشكل حقائق على الأرض أبرزها هشاشة إدارة البلاد وعمليتها السياسية المتأزمة، وضعف التماسك الاجتماعي، وفي المحصلة انتقال العراق من واقع الدولة المركزية إلى واقع «اللادولة». تتطلب الحالة العراقية تحليلا دقيقاً وشاملا، بالنظر في جوانبها المتعددة، إذ شكلت معركة تحرير الموصل نقطة تداخل بين أغلب الأطراف العراقية والإقليمية والدولية وتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي ستنعكس على الأطراف التي شاركت في معركة التحرير والتي تراها فرصة لزيادة قدرة تأثيرها على مجريات الأحداث العراقية والإقليمية، مع المحافظة على مصالحها المشتركة. ويشكل تحرير الموصل وهزيمة تنظيم «داعش» خطاً فاصلا بين الماضي المرتبط بالتنظيم الإرهابي والمستقبل المتعلق بعراق ما بعد «داعش»، ما يجعله نقطة مركزية في خلق تحالفات جديدة تعكس واقعاً عراقياً آخر. وتختصر الموصل الحالة العراقية، فهي أكبر مدينة سنية ذات أغلبية عربية في العراق، بعيدة عن الحكومة المركزية في بغداد وقريبة لأربيل، غربها عربي وشرقها كردي وبه أقليات أخرى. مدنية في المركز وعشائرية على الأطراف. أصبحت الموصل منطقة خارج سيطرة الدولة العراقية منذ يونيو 2014، وهذا سيزيد من تعقيدات إدارتها بعد التحرير. واليوم تتجه الأنظار إلى الحكومة العراقية بعد تحرير الموصل وكيفية إدارتها للحالة الإنسانية في المناطق المحررة التي ستكون من أهم عوامل الاستقرار على المدى القريب، سواء من ناحية السيطرة على الأعمال الانتقامية التي قامت وتقوم بها ميليشيات «الحشد الشعبي» والقوات العراقية تجاه أهل المدينة أو من يشتبه بانتمائه أو مساندته لـ«داعش» أو تجاه الأسرى من مقاتلي «داعش» نفسه، خاصة مع تسليط الضوء من قبل منظمات حقوق الإنسان على عمليات انتقام وتعذيب تم تداول صورها على نطاق واسع، إضافة إلى توفير الحكومة العراقية للاستعدادات الكافية لاستقبال النازحين والمهجرين.. كل ذلك مع خطط إعادة إعمار المدينة المدمرة وسرعة تدريب الشرطة المحلية وفرض الأمن الداخلي للمدينة مما يساعد على تقليل التوتر داخل المناطق المحررة. إن الحديث عن اقتسام الكعكة من بعض الأطراف العراقية والإقليمية، سيخلق أجواء توتر مستمرة للمنطقة، وسيزيد من الصراعات الطائفية والإقليمية لأمد بعيد. لذلك من الضروري لعراق ما بعد «داعش» إجراء حوار سياسي صريح بين الأطراف العراقية ودول الجوار المؤثرة للوصول إلى صيغة للعراق وإعادة بناء الدولة ونسيجها الاجتماعي الجديد. للحكومة العراقية المركزية دور محوري، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية في خلق عدالة اجتماعية وصيغة تعايش جديدة في عراق مابعد «داعش». ولعل الحرب العسكرية تكون أسهل خطوة في عملية ترميم العراق كدولة وكمجتمع. عراق مابعد «داعش» هو فرصة لإعادة العراق دولة مركزية قوية وليس دولة ميليشيات طائفية وقرار مسلوب من طهران. فعلى الأطراف العراقية اقتناص فرصة لن تتكرر في تاريخ بلادها الحديث لإعادة بناء الدولة والمجتمع العراقيين على أسس سياسية ودستورية جديدة، وعلى أساس مصلحة العراق أولا.