هناك خلل بنيوي في الرأسمالية الحديثة. فهناك مكاسب هائلة في الدخل تذهب إلى العشرين في المئة في القمة بينما الآفاق تتقلص أمام الطبقتين المتوسطة والعاملة. وهذا التوجه الكبير يوسع فجوة عدم المساواة، ويفاقم التقسيم الاجتماعي، ويعزز عدم الثقة، كما أدى إلى وصول دونالد ترامب إلى السلطة. وأبطأ المثقفون «المحافظون» في فهم خطورة هذه المشكلة البنيوية، لكن على مدار السنوات القليلة الماضية بدؤوا يكابدون العواقب. وفي الأساس، أصبح عدد كبير من المثقفين المحافظين يتقبلون فكرة إعادة توزيع الدخل. وإعادة توزيع الدخل بطريقة المحافظين لا تشبه عملية توزيع الدخل بطريقة الليبراليين. فالمحافظون يميلون لأن يتم التوزيع على المستوى المحلي، وهم يريدون استخدام الآليات الصديقة للسوق مثل أرصدة الضرائب وإيصالات التنقل ودعم الأجور. لكن المقصد واحد وهو توفير الأمن والفرص لم يمرون بصعوبات. وإعادة التوزيع بالطريقة المحافظة تمتد إلى الرعاية الصحية. وعلى مدار عدة سنوات ماضية، ظهر عدد من الخطط من المراكز البحثية ذات التوجه «اليميني» التي تتصور رعاية صحية يحركها المستهلك توفر تغطية شاملة أو شبه شاملة. وهذه الخطط الصادرة عن مراكز مثل معهد أميركان انتربرايز تستخدم أرصدة الضرائب أو حسابات الادخار للصحة الممولة سلفا أو بعض الوسائل الأخرى لتوفير التغطية الصحية للطبقة الوسطى والعاملة مع تقليص اللوائح وتحسين الحوافز في النظام. وكان بوسع السياسيين «الجمهوريين» انتقاء واحد من هذه الخطط حين أرادوا إلغاء برنامج «أوباماكير». وكان بوسعهم إنشاء نظام أفضل لا يعاقب الفقراء. لكن هناك اختلافين محوريين بين المعبرين عن السياسة المحافظة والسياسيين «الجمهوريين». أولاً، يميل مثقفو السياسة المحافظة إلى قبول حقيقة أن المجتمع الأميركي ينهار، ويتعين اتخاذ إجراءات لمساعدة الطبقة العاملة. ولم يُظهر «المحافظون» السياسيون إدراكا لهذه الحقيقة. ثانياً، لدى المثقفين والكتاب المحافظين رؤية تتعلق بالطريقة التي يريدون أن يكون عليها المجتمع الأميركي في القرن الحادي والعشرين. أما السياسيون «الجمهوريون» فلديهم رؤية عن الكيفية التي يريدون أن تكون عليها الحكومة الأميركية في القرن الحادي والعشرين. ويعتقد السياسيون الجمهوريون أن من الواجب أن تجمع الحكومة ضرائب أقل من الأفراد. ومشروع القانون المطروح في مجلس الشيوخ يتخلص من ضريبة بنسبة 3.8% على دخل الاستثمارات لمن يحققون ما يزيد على 250 ألف دولار في العام. ويعتقد السياسيون الجمهوريون أن المخصصات غير المقيدة يجب تقليصها. وخطة الرعاية الصحية في مجلس الشيوخ تشطب 15 مليون شخص من برنامج ميدكآيد بحسب بيانات مكتب الميزانية في الكونجرس. وميدكآيد هو البرنامج الذي يغطي ما يقرب من 40% من الأطفال الأميركيين. هل هناك رؤية للمجتمع كامنة في هذه الخيارات؟ الواقع لا توجد رؤية. لأن رؤية معظم الأحزاب السياسية لدور الحكومة تتحدد برؤيتها لنوع البلاد التي يريدون إقامتها. والحزب الجمهوري الحالي لديه قواعد حديدية وعقائدية عن دور الحكومة لكن لا رؤية عن أميركا. ولأن الجمهوريين لم يكن لديهم رؤية واضحة المعالم فلم يستطيعوا تقديم بدائل تحل محل رؤية أوباما. إنهم يقبلون البناء الأساسي لبرنامج أوباماكير لكنهم يقلصونه قليلا فحسب. ولأن الجمهوريين ليس لديهم رؤية واضحة المعالم فلا يمكنهم أن يجادلوا كثيراً بشأن خططهم. وعلى سبيل المثال، جاء وزير الصحة والخدمات الإنسانية توم برايس إلى «مهرجان أفكار أسبن» في كولورادو ليتحدث عن منهج الحزب الجمهوري. والمشكلة تتعلق بافتقاره إلى رؤية عن نوع نظام الرعاية الصحية الذي ستتمخض عنها مشروعات القوانين تلك. وشغل وقته بتعميمات تافهة منعزلة تماما عن الخيارات في التشريع الفعلي. ولأن «الجمهوريين» ليس لديهم رؤية قومية فيبدو عليهم أنهم غير مهتمين فيما يبدو بالتأثيرات الفعلية التي ستكون لتشريعاتهم على البلاد بصفة عامة. ومشروع القانون هذا في مجلس الشيوخ غير مجد بالمرة لأن أي شخص يعلم أنه لن يحصل على تأمين إلا إذا أصبح مريضاً. والأسوأ من هذا أن مشروع القانون يفاقم كل التوجهات المدمرة التي تطال الطبقة الوسطى والعاملة من عدم الاستقرار والضيق المادي. وأشار مكتب الميزانية في الكونجرس إلى أن مجلس الشيوخ يعتزم حذف 22 مليون شخص من قوائم التأمين، لينتقلوا إلى خطط تأمين في القطاع الخاص لن يستطيعوا شراءها أصلا. وفي ظل مشروع قانون مجلس الشيوخ، ستبلغ الاقتطاعات من الأسر الفقيرة أكثر من نصف دخلهم السنوي. والخطط غير كفء ومصممة بشكل قاس بحيث «لن يشتري أي خطة تأمين إلا قلة من محدودي الدخل» حسبما أشار مكتب الميزانية في الكونجرس. وهذه ليست رؤية محافظة للمجتمع الأميركي بل رؤية قاسية. ديفيد بروكس كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»