كتبت في 20 يونيو الماضي على هذه الصفحة مقالاً بعنوان «الأزمة القطرية وتناقضات المواقف الدولية» ناقشت فيه ميوعة المواقف الدولية تجاه الأزمة الراهنة، وتسترها وراء الدعوة إلى الحوار من أجل حل الأزمة والحفاظ على استقرار الخليج ووحدته! وأوضح المقال أنه حتى الموقف الأميركي الذي يبدو أقرب المواقف إلى الدول المقاطعة لقطر لا يخلو من التباسات، واللافت أن هذه السمة ما زالت تميز المواقف الدولية عامة، بمعنى أنها تصر على أن الحل في الحوار دون أدنى التفات إلى سبب الأزمة، وهو ما يثير أسئلة منها: هل هذه الدول تتصور فعلاً أننا إزاء خلاف عادي يُحل بالحوار، أم أن لها مصلحة ما في أن يطول أمد الأزمة وتزداد مكاسب هذه الدول؟ لنواصل القراءة في المواقف الدولية ونبدأ بالولايات المتحدة التي سبقت الإشارة إلى أنها تتبنى موقفاً مواتياً لدول المقاطعة، ومع ذلك ما زالت الإشارات الغامضة مستمرة، فالمندوبة الأميركية في الأمم المتحدة تقول إنه من الصحيح أن بلادها لديها قاعدة عسكرية في قطر، ولكنها تعطي الأولوية لوقف تمويل الإرهاب، كما أن الأزمة تمثل بالنسبة لبلادها فرصة لإبلاغ قطر بالاعتراض الأميركي على دعم «حماس»، ولكنها فرصة أيضاً «لنقول للسعودية إن عليكِ أن تتحدثي مع قطر. إنها فرصة للضغط عليهما معاً»! ومع أن بنود اتفاق قيل إن الولايات المتحدة تعد له بالتعاون مع الكويت لحل الأزمة تشير إلى أن الموقف الأميركي أقرب إلى الدول المقاطعة منه إلى قطر إلا أن وزير الخارجية الأميركي يصرح بأنه سيكون من الصعب للغاية أن تفي قطر ببعض المطالب، وأنه يعتقد «أن حلفاءنا وشركاءنا يكونون أقوى عندما يعملون معاً من أجل هدف واحد نتفق عليه جميعاً وهو وقف الإرهاب ومكافحة التطرف»، وهو موقف عجيب لأنه يسوي بين قطر والدول المقاطعة لنظامها مع أن صوت هذه الدول قد بُح كي تلفت أعضاء المجتمع الدولي إلى أن قطر دولة راعية للإرهاب بامتياز، ومع ذلك لم يتوقف أحد كي يبحث في صدقية هذه الاتهامات، وإنما يردد الجميع ألفاظاً عامة لا تعني أي شيء كالحوار بين دول الخليج والحفاظ على استقراره ووحدته، والغريب أن يحدث هذا رغم وجود عناصر في النخبة الأميركية تعلم تماماً بالممارسات القطرية كالسناتور الجمهوري جون ماكين الذي صرح بأن الولايات المتحدة على علم بالدعم القطري للجماعات الإرهابية، وأنه يتعين على الدوحة أن تغير سلوكها، كما صرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي بأن علاقة قطر بـ«حماس» مصدر قلق حقيقي، وأن الدوحة تحتضن كبار قادة «حماس» وجماعة «الإخوان المسلمين» المصنفة جماعة إرهابية من قِبَل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لكن هذه الرؤية السليمة ما زالت غائبة عن دوائر الخارجية الأميركية فيما يبدو لاعتبارات مصلحية واضحة. أما على الصعيد الأوروبي فالموقف واضح منذ البداية تُعبر عنه تلك الكلمات الخشبية عن الحوار من أجل الاستقرار والوحدة دون التفات إلى التناقض الظاهر في هذه المواقف! وعلى سبيل المثال فإن وزير الخارجية الفرنسي يؤكد على مكافحة الإرهاب، ولكن العمل واجب من وجهة نظره على وقف التصعيد لأن الانقسام لا يخدم دول الخليج! بينما حقيقة الأمر أن ما فعلته الدول المقاطعة هو عين مكافحة الإرهاب، وأن الانتصار عليه هو وحده الكفيل بوقف التصعيد وتحقيق الوحدة الخليجية، بل إن موقفاً كموقف وزير الخارجية الألماني قد عكس بدقة الخطأ في الإدراك الأوروبي للموقف عندما وصف مطالب الدول المقاطعة من النظام القطري بأنها استفزازية! وقد سبقت الإشارة إلى لغة المصالح التي تحكم بالأساس المواقف الدولية على رغم شعارات مكافحة الإرهاب، فهل قصرنا في شرح مواقفنا للمجتمع الدولي؟ أو لعلنا مطالبون بإيقاظه بطرح كل ما نملك من أدلة، والتعامل معه بأسلوب مختلف ربما تكون تصريحات سفير الإمارات في روسيا قد ألمحت إليه عندما قال: «على بريطانيا اختيار التعامل تجارياً مع أشخاص لديهم أجندة متطرفة، أو مع أولئك الراغبين في بناء شرق أوسط بعيد عن التطرف».