فيما كانت الصين تحتفل بالذكرى العشرين لعودة جزيرة هونج كونج إلى سيادتها، أدت «كاري لام»، الزعيمة الجديدة لهونج كونج، اليمين الدستورية في منصبها كرئيسة تنفيذية للجزيرة، وذلك أمام الرئيس الصيني «شي جين بينج» الذي حذَّر من أي تحدٍّ لسيادة الصين على هونج كونج، وقال إن ذلك خط أحمر «غير مسموح بتجاوزه مطلقاً». و«كاري لام» سياسية وموظفة عمومية من هونج كونج، سبق أن شغلت العديد من الوظائف، كان آخرها منصب السكرتير الأول لشؤون الإدارة (رئيس الحكومة) على مدى السنوات الخمس الماضية الأخيرة، قبل فوزها بانتخابات مارس الماضي، لتصبح أول امرأة تشغل منصب الرئيس التنفيذي لهونج هونج. وقد ولدت «لام تشنغ يوت نغور» في هونج كونج عام 1957، لأسرة فقيرة، وكانت الرابعة بين خمسة أطفال، ونشأت في ضاحية «وان تشاي»، حيث أنهت تعليمها الابتدائي والثانوي في مدرسة «سانت فرانسيس كانوسيان» الكاثوليكية للبنات، ثم انضمت لكلية الخدمة المدنية بجامعة هونج كونج، لتتخرج منها بشهادة بكالوريوس في العلوم الاجتماعية عام 1980، ولتنضم في العام ذاته إلى الخدمة المدنية كموظفة تنقلت بين عدة مكاتب وإدارات، لكن بعد عامين من الخدمة المدنية، حصلت «لام» على منحة دراسية، من حكومة هونج كونج، لتحضير شهادة الماجستير في جامعة كامبردج بلندن، وهناك التقت عالم الرياضيات «لام سيور بور» الذي سيصبح زوجها في عام 1984 ووالد ابنيها «جيريمي» و«جوشوا»، وبعد عودتها من بريطانيا عام 1985 شغلت «لام» عدة وظائف، إلى أن أصبحت في عام 1990 نائب وزير الخزانة، وهناك أمضت سبع سنوات مشاركة في تخطيط الميزانية ومراقبة الموارد وسياسة الإنفاق، ثم تمت ترقيتها في عام 2000 لتتولى منصب مدير إدارة الرعاية الاجتماعية، خلال فترة شهدت أعلى مستويات البطالة والعجز المالي في هونج كونج، فوضعت خطة لتنظيم المساعدة الشاملة للضمان الاجتماعي، لجعلها متاحة فقط للأشخاص الذين مرت عليهم سبع سنوات فأكثر في هونج كونج، باستثناء المهاجرين الجدد ممن تتوفر فيهم الشروط، كما ساهمت «لام» في تأسيس صندوق للتعليم يعنى بتلبية الاحتياجات التعليمية طويلة الأجل للأطفال الذين توفي آباؤهم بسبب وباء «سارس» الذي عرفته هونج كونج خلال عام 2003. وفي ذلك العام عُيّنت «لام» أميناً دائماً لشؤون الإسكان والتخطيط والأراضي ورئيس مجلس التخطيط البلدي، ثم عينت في عام 2004 مديراً عاماً لمكتب هونج كونج التجاري والاقتصادي في لندن، لكنها عادت من هناك في عام 2006 لتتولى منصب الأمين الدائم للشؤون الداخلية في هونج كونج، ثم لتصبح في العام التالي وزيرة للتنمية، وفي هذا المنصب الأخير اشتهرت بلقب «المقاتلة الصعبة»، نظراً لما أظهرته من كفاءة مهنية وكفاءة في التسيير، خاصة نجاحها في مواجهة أعمال البناء غير المصرح بها، وفي تطبيق «سياسة البيت الصغير»، واعترافاً بإنجازاتها في هذا المجال منحتها العديد من الجمعيات والمعاهد والكليات المعنية بالهندسة المعمارية أوسمة وشهادات تقدير، وقد ظلت «لام» في ذلك المنصب حتى عام 2012 حين اختارها رئيس المجلس التنفيذي لهونج كونج، «ليونغ تشون يينغ»، رئيسة لوزراء الجزيرة تحت حكمه، وبحكم منصبها كرئيسة للحكومة، ترأست «لام» فريق العمل المعني بالإصلاح الدستوري والانتخابي في هونج كونج، لكن قبل أن ينهي الفريق مهمته، قرر مجلس نواب الشعب الصيني، في أغسطس 2014، فرض قيود على انتخاب رئيس المجلس التنفيذي في هونج كونج ابتداءً من عام 2017، فأطلق المؤيدون للديمقراطية في هونج كونج احتجاجات واسعة النطاق، لتعلن «لام» تأجيل جولة المشاورات الثانية بشأن الإصلاح الدستوري والانتخابي، ولتدخل في نقاش مفتوح مع قادة الطلبة المحتجين، وفي ذلك الوقت فقدت «لام» جزءاً كبيراً من تأييدها في الشارع، خاصة بعد هزيمة مقترحات الإصلاح الدستوري في المجلس التشريعي المحلي في يونيو 2015، وقد بدأت توجَّه إليها الانتقادات، باعتبارها «مطيعة أكثر من اللازم» لرئيسها «ليونغ» الذي يصوره معارضوه على أنه «دمية الصين»، بل تعرضت لإطلاق النار في ديسمبر 2016 عقب إعلانها عن اتفاق مع بكين حول خطة لمتحف قصر هونج كونج، في ظروف غير شفافة ودون مشاورات عامة قبل اتخاذ قرار بالموافقة على الخطة. ورغم ذلك فقد أعلنت «لام» رسمياً، في 12 يناير الماضي، عن الرغبة في تتويج 36 عاماً أمضتها في الخدمة العامة بالترشح لانتخابات الرئاسة في هونج كونج لعام 2017. وقالت عن برنامجها الانتخابي إنه «رؤية جديدة قابلة للتحقيق»، داعية أبناء هونج كونج إلى استثمار «نقاط القوة بتصميم وثقة»، وقد ظهر إلى جانبها على منصة المؤتمر الصحفي عدد من كبار الساسة المؤيدين لبكين، والذين اختارت منهم مستشارين ومسؤولين في مواقع مختلفة من حملتها الانتخابية. وركزت «لام» في حملتها الانتخابية على إصلاح الهيكل الحكومي وتعزيز الاقتصاد وإصلاح النظام الضريبي وتعزيز الخدمات العامة، ولم تقدم أي وعد باستئناف المشاورات حول الإصلاح السياسي والدستوري والانتخابي. وكان منتظراً -ضمن أمور أخرى- من تلك المشاورات أن تفضي إلى تغيير آلية انتخاب رئيس هونج كونج، والتي لا يشارك معظم سكانها، البالغ عددهم 7.3 مليون نسمة، في اختيار رئيسهم، وإنما تتولى اختياره لجنة انتخابية مكونة من 1194 عضواً، أغلبهم موالون لبكين، وقد حصلت «لام» على أصوات 777 عضواً منهم، مقابل 365 لأقرب منافسيها، وهو «جون تسانج»، وزير المالية السابق الذي كان يحظى بشعبية كبيرة، وقالت في خطاب فوزها: «وطننا هونج كونج يعاني من شقاق خطير. أولويتي هي رأب الصدع وتخفيف الإحباط وتوحيد مجتمعنا من أجل التحرك إلى الأمام». وقد بدأت «لام» مهامها رسمياً السبت الماضي، لتصبح أول امرأة في هذا المنصب، وأدت يمين القسم الدستورية في مراسم حضرها الرئيس الصيني «شي جين بينج» الذي وصل المدينة للمشاركة في الاحتفالات الرسمية بالذكرى الـ20 لعودة هونج كونج -المستعمرة البريطانية السابقة- إلى سيادة بكين، وهنأ الرئيس الصيني «لام»، معتبراً عودة هونج كونج «نهاية لإهانة الشعب التي استمرت 100 عام، وإتماماً لخطوة مهمة نحو توحيد أراضي الوطن»، مؤكداً نجاح مبدأ «دولة واحدة بنظامين واستمراره من دون تغيير». لكن خارج منصة التنصيب كان هناك محتجون يتهمون «المقاتلة الصعبة» بالالتفاف على الإصلاحات المطلوبة وبالترويج لـ«ديمقراطية زائفة»! محمد ولد المنى