الاعتداء الإرهابي في مدينة مانشستر الذي وقع مساء الاثنين الماضي في حفل غنائي للمغنية الأميركية «أريانا جراندي»، وأودى بحياة 22 شخصاً بينهم أطفال وإصابة أكثر من 50 آخرين، سلط الضوء على قضايا الإرهاب والتطرف والبيئة الحاضنة للتطرف في المملكة المتحدة، وسارع تنظيم «داعش الإرهابي» ليتبنى الاعتداء، وأعلنت الشرطة البريطانية عن هوية منفذ الهجوم الانتحاري وما زالت السلطات البريطانية تلاحق شبكة إرهابية يشتبه أنها كانت وراء الهجوم الانتحاري. ما الذي يدفع الآلاف من الشباب إلى الانخراط في صفوف التنظيمات المتشدّدة؟ هل للبيئة الداعمة دور في تحول الشباب إلى «إرهابيين»؟ وكيف تنامت ظاهرة الإرهاب في بريطانيا لتجعل منها أول المصدّرين للإرهابيين في سوريا والعراق، وتطوّر الأمر لتصبح بريطانيا في حد ذاتها مستهلكاً لهذا الإرهاب وضحية له؟! أسئلة كثيرة باتت مطروحة اليوم وتحتاج إلى إجابات عاجلة، على وقع الإرهاب والتطرف. لا يزال فهم ظاهرة التطرف الفكري والإرهاب لدى الشباب المسلم الذي نشأ وترعرع في الدول الغربية غير واضح على الرغم من انطلاق الجدل منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وحتى اليوم. وظهرت الدراسات والنظريات التي تحاول تفسير أسباب انضمام الشباب المسلم في الدول الغربية إلى الجماعات الإرهابية بمعزل عن الدراسات السابقة، التي كانت تركز على عوامل أخرى ترتبط بالفقر أو اللاديمقراطية، أو «تسلط الأنظمة الشرق أوسطية». وفي محاولة البحث عن أسباب التفجيرات الإرهابية في أوروبا، فسر البعض أن كراهية الإسلاميين المتشددين للقيم الغربية هي السبب، فيما يذهب آخرون للقول إن السياسة الخارجية للدول هي السبب. أشارت دراسات للعمليات الإرهابية التي استهدفت الدول الغربية إلى وجود نمط بات واضحاً عند منفذي الهجمات، وهو أن معظم منفذي العمليات الإرهابية كانوا نشطاء في جماعات إسلامية غير مسلحة (غير عنيفة) قبل التورط في الإرهاب، ولاحظت السلطات الأوروبية مؤخراً أن الأعداد المتزايدة من الشباب الراحلين لـ«الجهاد في سوريا والعراق»، سبق أن ارتبطوا بدرجات متفاوتة مع جماعات إسلامية لها نشاطات مثيرة للجدل ومستفزة، ولكنها لم تكن عنيفة بشكل مباشر. وهو ما يوجد له تفسير بما عرف بنظرية «الحزام الناقل»، والتي تقول إن بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة لا تدعم الإرهاب والعنف بشكل مباشر، ولكنها تقدم أحياناً الأسس الفكرية للجماعات الإرهابية المسلحة وتروج لمواقف قريبة من الإرهاب، لذا هناك أعداد متزايدة من الباحثين وصنّاع القرار في الغرب ترى أن الانتماء لهذه الجماعات يمثل «البوابة» التي توجّه الأفراد نحو دور فكري تكون محصلته، في الغالب وليس دائماً، الجهاد المسلح، وهو ما تفسره النظرية بالارتباط بين جماعات الإسلام السياسي والعمليات الإرهابية، أي الارتباط بين الفكر والفعل. ويعارض «ليام بيرن»، وزير الدولة للشؤون الداخلية في الحكومة «العمالية» السابقة في كتابه «إنزال العلم الأسود: مكافحة الإرهاب وهزم «داعش» وكسب معركة الأفكار»، ادعاءات رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بأن هناك «حزاماً ناقلاً» يربط الإيمان الديني بالتطرف، محذراً من وجود ثغرة في سياسة الحكومة لمكافحة التطرف تدفع المسلمين البريطانيين إلى اليأس في مواجهة موجة متصاعدة من الإسلاموفوبيا، وتوصل إلى قناعة بأن من الضروري فهم التطرف فهماً جديداً، وأعاد «بيرن» التذكير بدراسة لجهاز الاستخبارات الداخلية «إم آي 5» عام 2008 خلصت إلى «عدم وجود طريق واحد إلى التطرف» بوصفها الأساس لرفض نظرية «الحزام الناقل»، التي تقود إلى منع جماعات متطرفة، لكنها لا تمارس العنف. بعد كل عملية إرهابية. ومع تساقط الضحايا تتزايد النظريات التي تحاول التفسير أولاً ثم التأسيس لسياسات واستراتيجيات لمواجهة تحول الشباب المسلم الغربي إلى قنابل موقوتة في بلدانهم، وإلى إرهابيين عابرين للحدود لتظل الحقيقة الأكيدة هي تشابه وجوه الإرهاب وتعدد أقنعته.