لجأ مؤخراً عدد من الدول الأوروبية، وبالتحديد إيطاليا وألمانيا، لسن القوانين والتشريعات الهادفة إلى رفع نسبة التطعيمات بين الأطفال وباقي السكان بوجه عام. ففي إيطاليا أصدرت الحكومة قراراً بضرورة تلقي الطفل لعدد 12 تطعيماً ضد أمراض الطفولة الشائعة، ورفض تسجيله أو التحاقه بالمدارس الحكومية إذا عجز الأبوان عن إثبات تلقي طفلهم لتلك التطعيمات بالكامل، وإذا ما لم يقم الأبوان بتطعيم طفلهما قبل بلوغه سن السادسة، أو سن بدء الدراسة، تفرض عليهما حينها غرامة. وفي ألمانيا، على رغم أن القانون لا يجبر الأبوين على تطعيم أطفالهما، فإن الحكومة بدأت في إصدار تشريع يفرض غرامة بمقدار 2500 يورو (10 آلاف درهم) على الآباء الذين لا يراجعون أطباء أطفالهم لطلب المشورة والنصيحة الطبية في هذا الأمر، مع إلزام حضانات الأطفال بالإبلاغ عن الآباء الذين يعجزون عن تقديم ما يفيد قيامهم بمراجعة أطباء أطفالهم في هذا الشأن. وتأتي هذه الإجراءات والتدابير في ظل تزايد انتشار فيروس الحصبة في عدد من الدول الأوروبية، ففي إيطاليا، مثلًا، تم خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، تسجيل عدد من حالات الإصابة بالحصبة يقارب ثلاثة أضعاف جميع الحالات التي سجلت خلال عام 2016 بأكمله، منها 200 حالة في الشهر الأول وحده من العام الجاري. وفي ألمانيا، وبحلول منتصف شهر أبريل الماضي، كان قد تم تسجيل 410 حالات إصابة بالحصبة، مقارنة بـ325 حالة فقط تم تسجيلها خلال عام 2016 بأكمله. كما تم تسجيل وفيات بسبب هذا المرض، كان آخرها الأسبوع الماضي عندما توفيت أم لثلاثة أطفال في مدينة «إسن» الألمانية بعد إصابتها بفيروس الحصبة. وفي رومانيا، تم تسجيل 3400 حالة، و17 وفاة منذ يناير 2016. وفي بريطانيا، وحسب البيانات الصادرة عن المركز الأوروبي لمكافحة والتحكم في الأمراض، تم تسجيل 575 حالة بين الأول من فبراير عام 2016، ونهاية يناير عام 2017. ونتجت هذه الزيادة، وغالبية حالات الإصابة بالحصبة في الدول التي تراجعت مستويات التطعيمات فيها دون الحد الأدنى الموصى به، وهي فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبولندا، ورومانيا، وسويسرا، وأوكرانيا، وهي سبع من الدول الأوروبية الأربعة عشرة التي توصف بأن فيروس الحصبة (متوطن) فيها. ففي الوقت الذي توصي فيه منظمة الصحة العالمية بضرورة وصول نسبة التغطية التطعيمية لأفراد المجتمع إلى 95% على الأقل لتحقيق الحماية والوقاية للمجتمع، انخفضت نسبة التغطية من أكثر من 90 في المئة إلى أقل من 80 في المئة بين الأطفال دون سن الثانية. والحصبة مرض فيروسي مُعدٍ، ينتقل عن طريق الرذاذ التنفسي أو الإفرازات التنفسية للمرضى المصابين به. ولا يوجد حتى الآن علاج محدد للحصبة، ويعتمد علاج الحالات التي لا تصاحب بمضاعفات، على الراحة وتلقي السوائل ومخفضات الحرارة. وتبلغ درجة شدة عدوى هذا المرض أنه إذا أصيب به أحد أفراد العائلة، فسرعان ما سيُصاب به 90 في المئة من باقي أفرادها، إذا لم يكونوا متمتعين بمناعة من خلال تطعيم، أو إصابة سابقة. أما على صعيد الوقاية، فيمكن تحقيقها من خلال التطعيم، الذي تبلغ تكلفته دولاراً واحداً فقط في الدول النامية، مما يجعل التطعيم ضد الحصبة من أفضل الاستثمارات في مجال الصحة العامة، بالنظر إلى أرواح الأطفال التي يمكن إنقاذها من خلاله، في ظل تكلفته الزهيدة. ومثل العديد من أمراض الطفولة المعدية الأخرى، تعرضت الحصبة لانخفاض في مستوى التغطية التطعيمية على مستوى العالم، نتيجة بحث علمي، مزوّر وكاذب، نشر عام 1998، ربط بين التطعيم الثلاثي -الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية- وبين إصابة الأطفال بالتوحد، فتراجعت مستويات التطعيمات بسبب خوف الآباء على أبنائهم. وعلى رغم أن نقابة الأطباء البريطانيين قد شطبت الطبيب المسؤول عن تلك الدراسة المزورة، ومنعته من ممارسة الطب في بريطانيا مدى الحياة، ومع خروج الجهات الصحية في مختلف دول العالم، الواحدة تلو الأخرى، تكذب وتفند مزاعم ذلك الطبيب النصّاب، وعلى رغم سحب الدورية الطبية للدراسة والاعتذار عن نشرها، ومطالبة البعض بمقاضاة الطبيب المسؤول تحت قوانين الجرائم الجنائية، فإن مستويات التطعيم ما زالت تشهد انخفاضاً ملحوظاً، وهو ما من شأنه أن يكلف الكثير من الأطفال، ومن البالغين حياتهم.