كيف تنشغل قطر بدعم قوى وأحزاب ظاهرة فوق السطح وتترك ما في القاع، وهو الأهم بمقاييس كثيرة؟ وكيف تستنزف أموالها الضخمة في صراعات خارجية، وهي تعلم علم اليقين أن التداعيات سوف ترتد عليها آجلا أم عاجلا؟ للأسف الشديد نجد أن الوحدة الخليجية المتآلفة في بنيانها الفوقي والتحتي، وبدلاً من أن يصبح عدوها واحداً وصديقها واحداً، حولت دولة شقيقة بوصلتها بكل ما أوتيت من قوة، من مواجهة عدو مشترك إلى صناعة عدو من ذاتها. بل الأعجب أنها تشعر الآن بالاستقواء بعدوها القديم والمستديم، وترسخ عداوتها للدول الخليجية الكبرى. ونحن شعب الخليج نتساءل ما هو مستقبلنا، وما هي المخاطر التي ستواجهنا، وما هو مصير الشعب القطري، وما هو الحل الذي بوسعه أن يكف خطر السياسة القطرية عنا؟ تصريحات قطر تعكس سياسة قطر الهدامة. لا نحتاج إلى تكذيب لنص أو لحديث قيل، فنحن نحكم من خلال الأفعال، وما أكثرها مما هدد وحدتنا. تتبع قطر سياسة خالف تُعرف وتغني خارج السرب إقليمياً كان أم عربياً. ومهما حاولت من شراء للمناسبات ككأس العالم وبطولات التنس والمهرجانات، لن تصل لمستوى الإمارات ودول الخليج الأخرى. أما حضارياً، فقطر ناكره للجميل، نسيت أن من علّم أبناءها بالمدارس والجامعات هم المصريون والفلسطينيون والأردنيون، ومن أسس البنّى التحتية هم رعايا الدول الممنوعة من دخول قطر في هذا الزمن الرديء. قطعا إننا وغيرنا من المستغربين من كل هذا الدعم والتدخل القطري في شئون دول المنطقة نقف مندهشين لمنح دولة قطر أموالاً ومساعدات لإسرائيل و«حزب الله» في لبنان و«حماس» في غزة وقادة الأحزاب وكافة المسؤولين الصغار والكبار في لبنان واليمن ومصر والسودان وليبيا واحتضان المعارضة في سوريا ومصر والعراق ومعظم الدول العربية وغير العربية مثل تركيا وأفغانستان وباكستان والشيشان وصولاً إلى تاهيتي وجزر القمر والمالديف، وحتى أن أي احتفالات أو ندوات أو مؤتمرات لأي دولة وجماعة صارت تُقام في قطر بدلاً من أراضي تلك الدول، وحتى أن المحَررين من سجون إسرائيل، وبدلاً من أن يقيموا احتفالاتهم في غزة والقطاع، أقاموها في قطر! ويا ترى هل هذه المساعدات المالية والمنح القطرية تخرج هباء وسدى من حكومة قطر؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك أهدافاً سياسية ومخططات أجنبية وفوائد مالية لدولة قطر والذين يقفون من وراء قطر؟ قطر تنوب عن ايران في اتخاذ القرارات بشأن التعامل مع الدول العربية. والأكثر سخافة في هذا المجال أن حمد بن جاسم وزير خارجية قطر السابق، عندما يلتقي أي من المسؤولين الإيرانيين أو يزور طهران يسمي الخليج فارسياً، ويؤكد أن الجزر الثلاث الإماراتية هي جزر إيرانية تاريخياً. ولكن هذا المسؤول القطري عندما يعود ويشارك في اجتماعات مجلس التعاون يوقع بأصابعه العشرة على قرارات تسمي الخليج عربياً والجزر الثلاث إماراتية! ما هذا النفاق، وما هذا التلاعب على جميع الأطراف وشراء الذمم؟ ما عاد بالإمكان السكوت على سياسة قطر المشبوهة. عانينا كثيراً من قطر وقناتها قناة «الجزيرة» كرأس حربة لتشويه التحالف العربي في اليمن، وإن كنت أظن أن المستفيد الأكبر من هذه الحرب هي إيران. والمدهش أن قطر مالكة قناة «الجزيرة» حليفة لدولة الإمارات في التحالف العربي الذي يحارب «الحوثيين» في اليمن! بينما دول التحالف تحارب وتساعد اليمن الشقيق، ويستشهد جنود التحالف في ساحات اليمن، تخرج لنا «الجزيرة» لبث الفتن والتشكيك في استشهاد جنودنا وتلقبهم بلقب الأموات والقتلى. هل التفتت قطر لنا منذ ظهور قناتها؟ هل التفتت قطر لنا منذ سحب السفراء؟ هل التفتت قطر لنا وهي تشوه صورة رموزنا؟ نحن كشعب عربي وخليجي وإماراتي صبرنا كثيراً، وعانينا كثيراً وتحلينا بحلم قادتنا وصبرهم على قطر وسياستها؟ لكن السياسة القطرية كشفت الوجه الآخر الذي تخفيه وهو الوجه الذي كانت دول المنطقة تحاول مراراً أن تتجاوز عنه تغليباً للحكمة وطمعاً في التعقل وأملاً في تجاوز مرحلة المراهقة السياسية القطرية. إلا أن الحكومة القطرية اليوم ارتمت في أحضان إيران «الصديقة» كما تقول، وفضلت علاقاتها القوية كما تصفها مع طهران وتل أبيب على علاقاتها مع جيرانها. شعب قطر الكريم والشقيق هو شعبنا وخليجنا وأهلنا، نحبهم ويحبوننا، ولكن أبت قيادتها إلا أن تحول بيننا وتنصب المعوقات وتزرع الفتن. خرج علينا من تدعمهم قطر وتجعله يستخدم منابرها الرسمية ليصف أبوظبي بإمارة الاٍرهاب. نعم أبوظبي وليس تل أبيب التي كان أحد أصحابه الكبار يحضر حفلاً على مقربة منها، وليطلق على حكام الإمارات صفات يندى لها جبين ذي المروءة، فكيف بمن يدعي العلم والدين والورع. عذراً يا قطر فوطننا وأمننا واستقرارنا أهم من كل شيء آخر.. وهل ننتظر حتى تتحول دول الخليج إلى سوريا أو لبنان أو اليمن؟ هل تعلم بأنها أصبحت الحقل الذي يعنيه كل من تراوده نفسه بخراب وانشقاق الشعوب؟ عذراً يا قطر، فالموقف خطير والظروف لا تحتمل من الصبر المزيد. نقف جميعاً مع المملكة العربية السعودية الدولة الخليجية الكبرى، ندعم من يدعمها ونعادي من يعاديها. حفظ الله خليجنا وسائر بلاد العالم. لقد ذقنا المرارات منك يا قطر، فنحن شعب الإمارات صبرنا كثيراً وتحملنا التشويه الإعلامي من قبلكم نحو أرض «زايد الخير». كل ما نريده من قطر هو احترام عقول الناس. والموقف الخليجي الذي يعارض سياسة قطر لن يتغير. كل ما نريده من قطر أن تترك الدول العربية تبني أوطانها التي دمرها المال القطري، ويكفيكم خدمة لإيران وإسرائيل. مهره سعيد المهيري* *كاتبة إماراتية