يمكن للهند أن تكون أفضل بكثير مما هي عليه الآن، تلك هي الرسالة التي يحملها كتاب «فيجاي جوشي» المعنون: «طريق الهند الطويل.. البحث عن الازدهار». و«جوشي» هو خبير اقتصادي قضى معظم حياته المهنية في جامعة «أكسفورد». وفي روايته المثيرة للاهتمام لماضي وحاضر التنمية الاقتصادية الهندية، يُسلّط المؤلف ضوءاً ساطعاً على آفاق التنمية المحتملة، مشيراً إلى أنه إذا كان هدف الهند أن تصبح دولة ذات دخل مرتفع في غضون الجيل المقبل، فلابد أن يتحسن أداؤها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بشكل كبير. والنبأ السار هو أن هناك مجالاً للتحسن على جبهات متعددة، وإن لم يخلُ الأمر من عقبات جسيمة. ومثلما يشير «جوشي»، فـ«إن العاملين الثابتين في الوضع السياسي الاجتماعي لسياسات التنمية في الهند هما أن الدولة ديمقراطية وأن مجتمعها شديد التنوع». والتحدي الأبرز هو تحسين الأداء في خضم القيود التي يفرضها الواقع. ولا شك في أن نجاح التنمية الهندية أمر مهم لثلاثة أسباب على الأقل، وهو أن الهند سرعان ما ستصبح أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وهي بالفعل أكبر ديمقراطية في العالم، وعلاوة على ذلك، رغم التقدم الذي أحرزته في غضون العقود الثلاثة الماضية، كان ما يتراوح بين 270 و360 مليون هندي لا يزالون يعيشون في فقر مدقع عام 2011. وإذا كان ينبغي تخليص العالم من الفقر المدقع، فلابد من إنهائه في الهند. ورغم أن تركيز «طريق الهند الطويل» ينصب على الاقتصاد، فإن تحليله يبدو شاملاً، ويأخذ بعين الاعتبار سجل النمو عقب الاستقلال، والإخفاق في توفير فرص عمل مجزية. ويتناول الكتاب بالتحليل أيضاً نجاحات وإخفاقات إدارة الاقتصاد الكلي، وجودة التعليم والرعاية الصحية التي توفرها الحكومة، والحاجة إلى شبكة حماية اجتماعية أفضل من أجل الفقراء، وانتشار الفساد، ودور الهند في الاقتصاد العالمي. وفي تغطيته لكافة هذه القضايا، يمزج «جوشي» بين ارتباطه الحماسي وانسلاخه كباحث عاش معظم حياته في الخارج. وليس ثمة دليل أفضل موجود للاقتصاد الهندي المعاصر. ففي غضون العقود السبعة الماضية، شهد النمو في الهند مرحلتي تسارع، الأولى عقب الاستقلال عام 1947، والثانية عقب التحرير الاقتصادي الذي بدأ في ثمانينيات القرن الماضي، وشهد انطلاقة سريعة بعد أزمة ميزان المدفوعات في 1991. وفي الفترة الأولى، بلغ متوسط النمو 3.5 في المئة سنوياً. وفي الثانية ارتفع إلى 6 في المئة. لكن لسوء الحظ، بعد النمو الكبير خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، تباطأ النمو الاقتصادي مرة أخرى. والتفسير الأساسي لذلك التباطؤ الأخير هو ضعف ملحوظ في الاستثمار من قبل القطاع الخاص المثقل بالديون. ويزعم «جوشي» أن الهند يمكن أن توفر دخلاً أساسياً للجميع من خلال تحويل الموارد المهدرة في تقديم الدعم المادي. ويعتبر المؤلف أن الهدف الذي ينبغي أن تنشده الحكومة الهندية خلال العقود المقبلة هو «نمو سريع شامل ومستقر ومستدام في إطار العمل السياسي للديمقراطية الليبرالية». وبدرجة أكثر دقة، إذا أمكن تحقيق نمو بنسبة سبعة في المئة للدخل الفردي سنوياً، فإن الهند ستصبح دولة ذات معدل دخل مرتفع، عند مستوى البرتغال، في غضون ربع قرن. وقد تمكنت ثلاث دول فقط من الوصول إلى ذلك المستوى في الماضي هي: تايوان وكوريا الجنوبية والصين. ويمثل ذلك تحدياً كبيراً لا يمكن مواجهته في ظل «نموذج الإصلاح الجزئي» الراهن، حسبما يرى «جوشي»، الذي يؤكد أن الخطأ الجوهري في ذلك النموذج هو «الفشل في وضع دور الحكومة والعلاقة بينها وبين السوق والقطاع الخاص على أساس صحيح». ويتصور «جوشي» أن على الحكومة التدخل في مجالات مهمة، ومن بينها سوق العمل، الذي شهد تحولات وتشوهات ضخمة حولت الانقسام الديموغرافي إلى كارثة، موضحاً أنه خلال عشرة أعوام، من 1999 إلى 2009، زادت القوة العاملة 66 مليون نسمة، ومن بين هؤلاء 44 مليوناً انضموا إلى اقتصاد الظل، و22 مليوناً أصبحوا عمالاً غير رسميين في القطاع الخاص النظامي، الذي تراجع عدد العمال الرسمين فيه ثلاثة ملايين شخص. ويشدد المؤلف على أن هذه كارثة اجتماعية. ويشير إلى أن الهند تحتاج أيضاً إلى حكومة قوية قادرة على توفير السلع الأساسية والخدمات العامة والتنظيمات الملائمة، التي يرتكز عليها اقتصاد فعّال. وائل بدران الكتاب: طريق الهند الطويل المؤلف: فيجاي جوشي الناشر: جامعة أكسفورد تاريخ النشر: 2017