تضرب الفوضى في الوقت الحالي منطقة الشرق الأوسط، حتى غيرت - سلباً- من معالم خريطة سايكس بيكو السياسية. فقد بدأت هذه الفوضى بالاحتلال الأميركي للعراق، تبعها تنامي قوة تنظيم «القاعدة»، وصولاً إلى «داعش» في ظل فتنة سنية شيعية متفاعلة، تضرب العراق وسوريا واليمن، وأخرى سنية سنية تضرب ليبيا والصومال ودولاً أخرى، مع تعاظم المخاوف من تصاعد الحروب بالوكالة في المنطقة. هذه الفوضى، وإن كانت مشوشة عربياً، فإنها منظمة ومدروسة في خطط ومشاريع القوى الأخرى غير العربية في المنطقة والعالم. المشروع الصهيوني، أول وأقدم هذه المشاريع «القومية»، قائم على إنشاء «دولة إسرائيل الكبرى ذات الهوية اليهودية النقية التي يتعين بقاؤها الدولة الأقوى في المنطقة. ومن الطبيعي أن يكون الهدف الأول للمشروع منع قيام أي شكل من أشكال التكامل العربي، حتى في حدوده الدنيا، بل دفع المنطقة العربية في طريق التفتت أكثر فأكثر، عبر إعادة تركيبها من خلال بناء منظومات ومناطق للتعاون الاقتصادي، وفصل‏? ?بلدان ?المشرق العربي ?عن ?بلدان ?المغرب ?العربي، ?وشمول ?إسرائيل ?بالمشرق ?الجديد. ?وإسرائيل ?هذه، ?تدرك ?أن ?لا ?قبل ?لها ?بتنفيذ ?هكذا ?مشروع ?طالما ?للمنطقة ?هوية ?عربية ?إسلامية، ?وطالما ?وجدت ?دول ?أو ?أقطار ?عربية ?كبيرة ?نسبياً، ?لذا ?نراها ?تبذل ?كل ?جهدها ?لتسريع ?تغيير ?التركيبة ?السياسية ?والاجتماعية ?العربية ?والإسلامية ?إلى ?فسيفساء ?طائفية ?إقليمية ?جهوية. ?وهذا ?ما ?يجري ?اليوم. ثاني المشاريع هو التركي، الذي يسعى جاهداً للمزاوجة بين «إسلامية» يمثلها حزب «حزب العدالة والتنمية»، وبين العلاقات المتنامية مع إسرائيل، في ظل مساعيه المرفوضة غربياً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مقروناً بشهيته للتمدد في العالم العربي. وهذا المشروع يشهد تذبذباً، صعوداً ونزولاً، حيث أبرز تمدداته في الأزمة السورية وبدرجة أقل في القضية الفلسطينية، سعياً وراء احتلال مساحات نفوذ في العالم العربي على حساب الأطراف العربية المنهكة، أو في مواجهة قوى تتمدد هي الأخرى في المنطقة (إيران أساساً). اليوم يتعثر هذا المشروع، رغم محافظة الدور التركي نسبياً على مكانته في سوريا عبر التحالف مع اللاعب الأكبر حتى اليوم في الأزمة هناك، وهو روسيا، فيما الوضع الداخلي التركي بات يتأزم في نواحٍ كثيرة في ظل مكافحة الاتحاد الأوروبي لمشروع العثمانية الجديدة، والرفض الثابت للمحاولات المتكررة منذ عام 1987 لتحقيق «الحلم الأوروبي»، في ظل الاتهامات فيما يخص مسائل حقوق الإنسان وحرية التعبير. ثالثاً، المشروع الإيراني (الفارسي الصفوي)، الهادف إلى «نشر التشيع» في المنطقة العربية. وهو يتسم بطبيعة يتداخل فيها الديني بالقومي، والكل مستاؤون من تدخلاته الإقليمية المباشرة وطروحاته الأيديولوجية المستفزة. مع التأكيد على أن فئات واسعة في المجتمعات العربية منقسمة في مسألة أيهما أخطر: إيران أم إسرائيل. والكثيرون يتفقون على مساعي التفتيت التي يضمرها هذا المشروع، من خلال جهود إثبات طائفية المشروع أو فارسيته، وبالتالي وجوب إنهائه بقوى طائفية أو قوى معاكسة، إقليمية أو حتى عالمية. ورغم التفاوت في خطورة هذه المشاريع على العالم العربي في ظل المصالح الإقليمية «المشروعة» برأي كل صاحب مشروع، وفي نطاق انشغالنا بترددات «الربيع العربي» من فوضى وقتل في سوريا والعراق ولبنان ومصر واليمن، وما ينتج عنه من خراب واستباحة للدماء تسرع بتحويل بعض الدول العربية إلى دول منهارة.. في ظل كل ذلك، تزداد هذه المشاريع السياسية الثلاثة وضوحاً، فيما لا يزال المشروع الرابع، المشروع القومي الإسلامي العربي الوحدوي يغط في نومه، وإن وجد من يطرحه أو يروج له، ففي ظل تحالفات متباينة عربياً، على قاعدة «لا تحالفات دائمة، وإنما مصالح حاكمة»، أو «أهداف خارجية قصيرة المدى ومصالح بعيدة المدى»، أي لا مجال اليوم للحديث عن «مشروع عربي»، اللهم إلا في سياق التابع لاحد المشاريع الثلاثة. المشروع الرابع، مشروعنا، في حالة غيبوبة تحاصره الفوضى في كل مكان وتلتهمه الفتنة الطائفية السنية الشيعية، فيما تتحول الدولة الصهيونية إلى دولة ينظر لها كجزء من التحالفات في المنطقة. وفي نهاية المطاف، ليست مشكلة أصحاب تلك المشاريع الثلاثة أن العرب لم يستطيعوا تصميم مشروع عربي يطرح على الناس من أجل كسب تأييده ودعمه، ومن ثم توظيف مختلف الطاقات نحو تنفيذه. نعم، نحن لا نصنع الكثير عملياً للمحافظة على أنفسنا.. نعم نحن المقصرون.. فإلى متى نبقى مجرد أعوان يقيم الآخر مشروعه من أجل استخدامنا؟! وهل مطلوب من أصحاب هذه المشاريع وغيرهم أن يكونوا بلا تأثير كبير كما هو حال العرب؟!