احتضنت الرياض هذا الأسبوع ثلاث قمم؛ سعودية أميركية، وخليجية أميركية، وعربية إسلامية أميركية، جمعت الأولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتم خلالها توقيع الرؤية الاستراتيجية المشتركة بين البلدين. كما تم توقيع اتفاقيات بقيمة 380 مليار دولار كاستثمارات بين الطرفين، مما سيوفر مئات الآلاف من الوظائف في البلدين. وأوضح العاهل السعودي أن هذه القمة «سوف تعزز العلاقات والأمن والاستقرار العالميين»، كما «سوف تؤسس لشراكة لمواجهة التطرف ونشر التسامح». وكان مسؤول في البيت الأبيض قد صرح بأن «أميركا بصدد توقيع اتفاقيات نوايا دفاعية مع السعودية بقيمة 110 مليارات دولار»، وأن هذه الاتفاقيات «ستدعم أمن الخليج في مواجهة التهديدات الإيرانية والإرهاب في المنطقة». أما القمة الخليجية الأميركية فجمعت الرئيس ترامب وقادة دول مجلس التعاون، وركزت على قضايا الشراكة الاستراتيجية ومكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية في المنطقة. فيما جمعت القمة الثالثة الرئيس الأميركي بقادة الدول العربية والإسلامية (55 دولة)، وقد سادها اتفاق واضح على محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وتعقُب مصادره. وقال الرئيس الأميركي مخاطباً القمة: «إن هذه القمة ستُعلن بداية نهاية الإرهاب»، مؤكداً: «لسنا في معركة بين الأديان، إنما في معركة بين الخير والشر». كما أبدى ترامب موقفاً حازماً تجاه إيران، مخالفاً لمواقف سلفه (باراك أوباما) الذي أعاد إيران إلى الواجهة العالمية بعد حصار المجتمع الدولي لها لسنوات، وقال ترامب: «إن النظام الإيراني مسؤول عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، وقد أججَ الصراعات الطائفية لعقود، ووفرَ أرضية خصبة للجماعات والمليشيات المتشددة والإرهابية في المنطقة». كما اعتبر العاهل السعودي أن إيران «تُشكل رأس حربة الإرهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم»، وأضاف: «لم نعرف إرهاباً وتطرفاً حتى أطلت الثورة الخمينية برأسها». واعتبر الملك سلمان بن عبدالعزيز أن «النظام الإيراني و(حزب الله) والحوثيين و(داعش) و(القاعدة) متشابهون»، موضحاً أن طهران «رفضت مبادرات حُسن الجوار التي قدَّمتها دولنا وبحُسن نية، واستبدلت ذلك بالأطماع التوسعية والممارسات الإجرامية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى». ولتأكيد العزم على التصدي للعمليات الإرهابية التي تجتاح المنطقة، تم في الرياض افتتاح مركز «اعتدال» لمكافحة الفكر المتطرف، عشية القمة العربية الإسلامية الأميركية، بحضور العاهل السعودي والرئيس الأميركي وعدد من قادة الدول العربية والإسلامية. ويهدف المركز إلى مواجهة الأفكار المتطرفة، واعتماد سياسة التسامح ونشر الحوار الإيجابي. وبرأيي أن الرياض نجحت في عدة أوجه؛ أولاً كونها حظيت بأول زيارة خارجية للرئيس الأميركي الجديد، وهي إشارة لدور المملكة في المنطقة. ثانياً كونها أشهدت العالم الإسلامي والعربي على سعيها لمكافحة الإرهاب والتصدي له بكل الوسائل، ونفي أي علاقة لهذا الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف. ثالثاً أنها حصلت على اعتراف أميركي واضح وحاسم تجاه إيران. وبالطبع فإن هنالك تفاصيل عديدة وردت في بيان القمة العربية الإسلامية الأميركية التي تُعقد للمرة الأولى ، ومنها: تشكيل قوة من 34 ألف جندي لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا عند الحاجة، وتوسيع مجالات الحوار الثقافي الذي يكشف سماحة الدين الإسلامي ووسطيته ونبذه لكل أشكال العنف والتطرف، وتأسيس مركز للحوار بين أتباع الأديان، وبرامج التنمية المستدامة وتحصين الشباب من الأفكار الضال والمتطرفة.. إلخ. قِممُ الرياض الثلاث بداية لرسم خريطة جديدة في المنطقة، ورسالة واضحة للعالم، تحتاج لمتابعة حثيثة من سفارات الدول العربية والإسلامية في الغرب وأميركا، ومن وسائل الإعلام في هذه الدول.. فهل يتم الحفاظ على الشعلة التي أُضيئت في قمة الرياض؟ هذا ما ستؤكده الأيام المقبلة.