على الرغم من أن تفاصيل ميل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الموقف الخليجي في مواجهة الطموحات الإيرانية لم تتضح بشكل كامل، فإن تدشين زياراته الخارجية انطلاقاً من السعودية وما أعلن في خطابه الذي ألقاه قبل يومين خلال القمة العربية الإسلامية في الرياض، والذي أعلن فيه محاربته لتيارات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط مثل: «داعش» وتنظيم «القاعدة» الخارجتين من رحم جماعة «الإخوان المسلمين»، وكذلك الميليشيات الشيعية، يؤكد عملياً، وليس مجرد قول كما كان يتردد خلال الفترة الماضية، بداية نهج جديد للسياسة الخارجية الأميركية، كما يشير إلى تقدير أهمية الحلفاء التقليديين للسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. ومن المنتظر أن تكتمل تفاصيل الصورة بشكل أدق في نهاية جولته الخارجية، على اعتبار أن إيران والتيارات الإسلامية هما أكبر مهددين للاستقرار في العالم، كما جاء في خطابه. لكن اختياره للسعودية كمحطة أولى لجولته ولقاءه بالتحالف الإسلامي والعربي المشارك في عاصفة الحزم، يعطينا بعض التخمينات والاستنتاجات التي يمكن أن تنتج عنها هذه الزيارة. فالمؤشرات تقول إن هناك نقلة حقيقية منتظرة للسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط تنسف بشكل كامل سياسة الرئيس السابق باراك أوباما. ولعل المعيار الذي اعتمده الرئيس ترامب في انطلاقه للخارج ليس كله سياسياً، بل إن للبعد الاقتصادي دوراً أساسياً فيه، حيث الصفقات التجارية والاستثمارية، وهو ما أعطى مجالاً لبعض المراقبين لتقييم نتائج الزيارة وفق هذا المعطى فحسب، خاصة بعد الإعلان عن صفقات مالية. إلا أن الأمر بالنسبة للمتفائلين مختلف، فالزيارة ذات بعد مزدوج، الأول اقتصادي باعتبار أن الولايات المتحدة شريك تجاري قديم لدول الخليج، والبعد الآخر استراتيجي، وهو الحفاظ على أمن المنطقة من الطموحات الإيرانية، إذ أكدت التجارب أن ابتعاد واشنطن عن المنطقة يؤدي إلى صعود قلاقل أمنية مستمرة نتيجة للتدخلات الإيرانية في شؤون دول الجوار. إن تركيز بعض التحليلات على عنصر «البراءة» في التحركات السياسية لأي رئيس دولة هو نوع من الحمق التحليلي لدى بعض المراقبين، لأن البراءة غير موجودة أصلاً في السياسة. بل إن هذا التركيز على افتراض حسن النية في التعامل مع الدول الكبرى يمكن وصفه بأنه ينطلق من قلة المعرفة بطبيعة العلاقات الدولية التي تبنى على المصالح وليس العواطف أو الخيال، خاصة أن معطيات الواقع السياسي أحياناً تتطلب مواقف جريئة وحقيقية، لهذا لا يمكننا الأخذ بتلك التحليلات إذا أدركنا الخطر الذي يمثله النظام الإيراني على المنطقة، مثلما يتضح في العراق ولبنان واليمن. والذين أقلقتهم الزيارة وحاولوا اتباع سياسة التهدئة بعدما اتضحت لهم صراحة وجرأة ترامب من خلال قصف ميليشيات شيعية كانت على الحدود مع الأردن قبل يوميين فقط من مجيئه إلى المنطقة، وقبلها بأيام أيضاً عندما قصفت القوات الأميركية قاعدة الشعيرات السورية. لقد أثبتت الأيام أنه من الصعب جداً تحقيق التساوي في العلاقات الخليجية الإيرانية كما كان يهدف أوباما من خلال «التوازن الاستراتيجي» في المنطقة بين السعودية وإيران، وذلك لسبب أساسي هو أن إيران لا تسعى إلى التعامل مع دول المنطقة وفق مبادئ الندية والمساواة، فالفوقية والغطرسة معياران إيرانيان في التعامل مع دول الخليج، وقد حاول قادة إيران استغلال «الفسحة» الدولية التي أعطيت لهم من خلال توقيع الاتفاقية النووية مع الغرب في تحقيق حلمهم التقليدي بإعادة فرض الإمبراطورية الفارسية من خلال التمدد في الدول العربية، لذلك من المتوقع أن تعود سياسة الاحتواء التي طبقتها إدارة الرئيس كلينتون ضد النظام الإيراني مع الرئيس ترامب. ومع أن نتائج الانتخابات الإيرانية التي صادف إعلانها وجود ترامب في المنطقة، يعتبرها البعض كما لو كانت «مغازلة سياسية» لترامب، فإننا لن نبالغ إذا قلنا إن الخط العام لسياسته الخارجية تجاه إيران وأذرعها السياسية أصبح واضحاً تمام الوضوح. ونستنج من التفاصيل الصغيرة للزيارة، ومن إشادة ترامب بدور دولة الإمارات العربية المتحدة، أنه يبدي رغبة كبيرة للوقوف مع الحلفاء التقليديين لبلاده، وبالتالي فهو بذلك يسد أي منفذ له في أي محاولة للتقارب مع النظام الإيراني. لقد بدا واضحاً مما تكشّف حتى الآن أن الرئيس دونالد ترامب يعد خطة دقيقة في المنطقة من وحي رؤية دول الخليج، تشمل أوسع رقعة جغرافية ممكنة من المنطقة (الدول العربية والإسلامية)، وربما الدول الأخرى التي تشملها الجولة، لمحاصرة إيران، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.