توافد على صناديق الانتخابات في إيران يوم الجمعة الماضي أكثر من ثلثي من لهم حق التصويت، ويمثل هذا الإقبال مؤشراً واضحاً على إنجاح هذه الانتخابات. وبغض النظر عن النتائج، فإن هذا الإقبال من جانب الناخبين يعكس اهتماماً بالعملية السياسية نفسها حتى ولو كان الهدف هو التغيير. يرجع السبب الأقوى في هذا الإقبال إلى الصراع الدائر الآن بين الجماعات المختلفة داخل النظام الإيراني، وما أسميته في مقال نشرته هنا منذ نحو عامين: الصراع بين الدولة والثورة. الثورة تهدف إلى التغيير العميق والدائم في الأشخاص والجماعات، وكذلك المؤسسات.. أو على الأقل هذا هو الهدف المعلن، حتى أن بعض الثوريين مثل تروتسكي (أحد زعماء الثورة الروسية) أصروا على أهمية «الثورة المستمرة، لكنه فشل أمام لينين مؤسس الاتحاد السوفييتي منذ قرن بالضبط، وكذلك ستالين، خليفة لينين، والذي أرسى قوة الاتحاد السوفييتي كدولة عظمى. كما رأينا أيضاً فشل نظرية «الثورة المستمرة أو الداعمة» مع تجربة الثورة الثقافية في الصين خلال ستينيات القرن الماضي مع ماوتسي تونج، والتي أدت إلى «الفوضى الدائمة»، حتى أن ماوتسي تونج نفسه تراجع عنها، بل يقول البعض إن فوضى الثورة الثقافية هذه كانت من أهم عوامل تحول أكبر حزب شيوعي في العالم إلى نمط التنمية الرأسمالية في الصين والانفتاح على العالم عن طريق الاعتماد على التصدير ومحاولة جذب الاستثمار الأجنبي، وبالتالي الكثير من المرونة في السياسة الداخلية والخارجية. هل يشكل فوز حسن روحاني مثل هذا النمط من انتصار الدولة على الثورة، وبالتالي الرغبة في الحفاظ على وتيرة معينة من الاستقرار، بل المرونة في السياسة الداخلية والخارجية؟ هذا هو الانطباع السائد، خاصة في الإعلام الدولي، وتشجع على هذا الانطباع تصريحات روحاني ومؤيديه أثناء الحملة الانتخابية، وحتى بعد نجاحه في الانتخابات، حيث قال: «إن نتائج الانتخابات تبين استعداد إيران للتفاعل مع المجتمع الدولي»، أي قبول قواعد الدبلوماسية والقانون الدولي المعترف بهما، لكن لا ينبغي قبول هذا الكلام حرفياً، حتى ولو توفر حسن النية، لأن هناك على الأقل ثلاث عقبات يجب أن يتغلب عليها روحاني وجماعته: 1- أن تنشئته السياسية ومعظم مؤيديه قد تكوّنت وتشكلت داخل النظام الثيوقراطي ومعتقداته وأسلوب عمله. صحيح أن المرء يتغير، كما يحدث مع كثيرين من الزعماء السياسيين، لكن درجة التغيير لها حساباتها وتكاليفها، نفسياً وسياسياً واجتماعياً، فهو لا يزال «حجة الإسلام»! 2- إن منافسه، أو بالأحرى غريمه، إبراهيم رئيسي، لا تزال له قواعده الشعبية. فلا ننسى أن أقل قليلاً من 16 مليون ناخب قاموا بالتصويت له، ومن ضمن مؤيديه الحرس الثوري الذي يملك إمبراطورية صناعية كبيرة، وكذلك المرشد خامنئي ذو السلطات القوية جداً مقارنة بسلطات رئيس الجمهورية روحاني، والذي هو في الواقع من عرقل الكثير من جهود رئيس الجمهورية في مدة رئاسته الأولى. 3- زيادة التوقعات وحالة الاستقطاب مع وصول روحاني للحكم، على أن الانفتاح وحتى الرخاء سيحدثان فوراً، في حين أن روحاني سيواجه تحديات داخلية وخارجية جديدة رغم الخبرة التي اكتسبها في مدة رئاسته الأولى. يكفي أن نعرف أن هناك رئيساً جديداً في البيت الأبيض في واشنطن وله تحفظات كبيرة على الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس السابق أوباما. باختصار إذن، فإنه على الرغم من فوز روحاني ودعايته الانتخابية، فإن التغيير لن يكون سهلاً، بل قد نرى في البداية بعض التنازلات من جانبه في مواجهة صراعات داخلية، ليس فقط بين الدولة والثورة، ولكن أيضاً بين التوجهات الاجتماعية والسياسية المتعارضة، وكذلك بين الجماعات الممثلة داخل النظام الإيراني.