انتهت مسرحية الانتخابات الرئاسية الإيرانية بفوز الرئيس الإيراني حسن روحاني، بفترة رئاسية ثانية بعدما حصل على 57% من أصوات الناخبين مقارنة بمنافسه الأبرز، إبراهيم رئيسي، وقال روحاني في أول خطاب متلفز له بعد فوزه: «إن الأمة الإيرانية اختارت طريق التفاعل مع العالم، وهو طريق بعيد عن التشدد والعنف». وكان رهان روحاني في حملته على شعار «الحرية والأمن والهدوء والتقدم» في مقابل شعار «العجز الإداري والاقتصادي» الذي طرحة «رئيسي» في حملاتهما الانتخابية. انتهت الانتخابات الرئاسية ليعود الحديث من جديد إلى خليفة المرشد الأعلى المرتقب، في ظل الصراع الذي يواجهه خامنئي مع المرض وكبر السن وهو الحديث الأهم. مازالت طهران تمارس لعبة الديمقراطية باقتدار، وتطرح فكرة الأطياف السياسية في الانتخابات فينجرف الإعلام العالمي ومراكز الأبحاث للحديث عن الاعتدال والتطرف في السياسات القادمة للمرشحين المفترضين، وتأثير فوز المرشح المعتدل على النظام السياسي الإيراني والمحيط الإقليمي والدولي، فيتم الحديث تارة عن مصير الاتفاق النووي الإيراني أو علاقات الانفتاح على الغرب أو حتى مصير الإصلاحات والاقتصاد الإيراني، عند النظر بموضوعية إلى فترة حكم روحاني، نجد أن الخط الفاصل بين الاعتدال والتشدد غير واضح. فروحاني لم يتخذ قراراً يخالف خامنئي طوال سنوات فترته الرئاسية الأربع، بل لم يفعل شيئاً إلا بعد استئذان المرشد، في الوقت الذي يتم فيه تقديم مهندس الاتفاق النووي على أنه ممثل التيار المعتدل والخيار الأفضل للعالم الخارجي. ومع تأكيد فوز روحاني بالانتخابات الرئاسية ظهرت التحليلات السياسية التي تتحدث عن استمرار سياسات الاعتدال والانفتاح على الغرب في مقابل اندحار خطاب «رئيسي» المتشدد، الذي طرحه خلال برنامجه الانتخابي والمناظرات الانتخابية. تغيير طبيعة النظام الإيراني يرتكز على نظرية «ولاية الفقيه»، وهي العقيدة التي منحت المرشد الأعلى الإيراني سلطته، والتي أسسها الخميني واستمرت في عهد خلفه علي خامنئي، فتغير سياسة إيران واقعياً، لا يمكن أن يحدث إلا بتغيير المرشد الأعلى، نظراً للدور الديني والسياسي الذي يلعبه في الداخل الإيراني وعلى الصعيد الإقليمي، بما يملكه من سلطات روحية ودستورية تجعله المتحكم في السياسة الإيرانية لعقود قادمة. وعند تحليل الأوضاع في إيران وفي الوقت الذي يتوقع فيه أن تشهد تحولات في القيادة الدينية للدولة بوفاة المرشد، وليس بانتخاب رئيس جديد، أو استمرار رئيس قديم. ومن الأهمية بمكان النظر إلى المشهد الإيراني على ماهو عليه حقاً وليس كما يتمنى المرء، خاصة في ظل وجود بنى سياسية تأسست مع تأسيس الجمهورية، وتغولت سلطاتها مكونة ما يُعرف سياسياً بالدولة العميقة، وتتمثل الدولة العميقة في إيران بقوى الاستخبارات، والقوى العسكرية، ومراكز النفوذ السرية وغير السرية وعناصرها في الحكومة، وهؤلاء يتبعون في ولائهم للمرشد الأعلى بشكل مباشر، وتملك الدولة العميقة تلك من الصلاحيات والنفوذ ما يجعلها تضاهي نفوذ الحكومة، بل وقد تصبح معطلة لقراراتها في بعض الأحيان، وهو ما يبرز أحياناً في التوترات والتصادمات الحاصلة في النظام السياسي الإيراني، فإما مسايرة الدولة العميقة، أو الاصطدام بها. وفي حال وفاة خامنئي، فإن الدولة العميقة ستضمن أن من يأخذ مكانه سيحمل نفس وجهات نظرها المتشددة، ويكون ملتزماً حماية مصالحها، في أغلب الأحوال ترجح التنبؤات الواقعية استمرارية نهج الدولة الإيرانية. ستستمر إيران روحاني في محاولة توسيع نفوذها الإقليمي، وستستمر استراتيجياته الحذرة في التعامل مع الغرب مع التركيز على الاقتصاد. ومن السذاجة الاعتقاد بأن تغيير السلطة السياسية في إيران أو ممارسة الضغوطات من الغرب أو من الولايات المتحدة تحديداً ستثمر تغييراً في سياسة إيران، فلا جديد تحت الشمس.