قامت صحيفة «الاتحاد» خلال الأيام القليلة الماضية، بنشر ملخص لأحدث إصدارات الأستاذ الدكتور «جمال سند السويدي» مؤسس ومدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بعنوان: (لا تستسلم.. خلاصة تجاربي)، ذلك الكتاب الذي يوثق تاريخ وحياة ومسيرة مؤلفه منذ ولادته، والذي لم يكن ليصدر لولا تجربته مع مرض السرطان منذ عام 2003 ولأكثر من عشرة أعوام. وكان الهدف الأول من الكتاب إثبات لكل مرضى السرطان وذويهم والمجتمع أن مواجهة ذلك المرض والتعافي منه أساسها قوة الإنسان الداخلية المرتكزة على الإيمان والعزيمة مهما كان التشخيص الطبي. وبالرغم من علمي المسبق بانغماس الدكتور جمال السويدي في كتابة إصداره الأخير خلال الفترة الماضية، فإني آثرت التريث حتى الإعلان عنه رسمياً، وذلك لتوثيق رأيي الشخصي عن إنسان أعرفه عن قرب منذ ما يقارب اثنين وعشرين عاماً، وعاصرت العديد من التجارب والمواقف معه، ولذلك لا أجد عذراً الآن لعرض رأيي الشخصي في الجانب الذي عاصرته في شخصيته. فقد كان اللقاء الأول في شتاء عام 1995 أثناء تنظيم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية لإحدى فعالياته، ووقتها أيقنت أني لا أتحدث مع أستاذ جامعي أو مدير عام، وإنما مع قائد ومفكر وشخصية ذات رؤية ثاقبة، وعيون تنصت مع الأذن وتعي مع العقل وتنطق مع اللسان وتسبر أغوار الشخص الذي تنظر إليه بكل هدوء. ومن ضمن تجارب «عدم الاستسلام» التي عاصرتها شخصياً مع الدكتور جمال أنه على الرغم من التزاماته وواجباته مع متخذي القرار والتي قد تستغرق نصف يوم لم يغب يوماً عن دفة قيادة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية منذ تأسيسه في العام 1994، وهو بذلك يؤكد لكل من لديه رسالة وأمانة في الحياة ألا يتركها في أيدي من لا يستوعب أهميتها وأهدافها. ثم كان التحدي الذي استهدف إضعاف عزيمته في عدم القدرة على القيام بمهام خدمة المجتمع والبحث العلمي في آن واحد فكانت مسيرة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية برهاناً دامغاً على عدم استسلامه. ثم قالوا له يوماً: لن تستطيع نشر وترسيخ ثقافة وأسس البحث العلمي في مجتمع الإمارات فكان تأسيس دبلوم البحث العلمي الأول من نوعه في الإمارات، والذي من ثماره عشرات المواطنين المؤهلين في قواعد البحث العلمي الذين يعملون في مختلف الجهات الحكومية في الدولة. ثم كان تحدي أكبر جاء ممن قالوا له هناك خطوط حمراء في تناول موضوعات سياسية واقتصادية واجتماعية وكان الرد بهدوء وعقلانية واستمرارية من خلال موضوعات فعاليات وإصدارات المركز التي تناولت قضايا لم يتوقع أحد أن ترى النور، بجانب العديد من الموضوعات ذات الصلة بالأمن الوطني التي تمت دراستها في قطاع البحث العلمي وعرضها على متخذي القرار كدليل آخر على عدم الاستسلام. أضف إلى ذلك الجانب الإنساني في شخصية الدكتور جمال، والذي لم يدخر جهداً في الوقوف بجانب كل من تعرض هو أو أحد أقاربه لمرض خطير أو أزمة ما، وكأنه بذلك يقول لهم لا تستسلموا طالما هناك من يقف معكم. تتعدد التجارب الشخصية بيني وبين الدكتور جمال السويدي فمنها ما ذكرته، ومنها ما لا يسعه هذا المقال، ومنها ما يتعلق بمواقف وطنية تبرهن بقوة على قدرته على عدم الاستسلام ولكن لا أستطيع ذكرها. وشخصياً عندما ودعته في عام 2003 وهو في طريقه للولايات المتحدة الأميركية لبدء رحلة العلاج من السرطان وكنت على تواصل معه يومياً لمدة تسعة شهور متواصلة، لم يساورني الشك مطلقاً في أنه سيتغلب على المرض كما تغلب على غيره من التحديات، وبأنه سيستمر في تحقيق رسالته التي يؤمن بها، وهي بكل بساطة: لم نٌخلق لنستسلم.