عمدت الدول الكبرى في أميركا اللاتينية مؤخراً لزيادة الضغوط على النظام الحاكم في فنزويلا لدفعه إلى احترام مبادئ الديمقراطية، إلا أن من الضروري أن تتخذ دول المنطقة أيضاً إجراءات أكثر حزماً ضد هذا النظام من أجل وضع حد للعمليات الخشنة التي يواجه بها المتظاهرين، والتي خلفت حتى الآن ما لا يقل عن 45 قتيلاً. وقبل أن نتطرق لما يمكن للدول الأميركية أن تفعله في هذا الشأن، دعونا نشير إلى أن الدول الأربع والثلاثين المنضوية تحت اسم «منظمة الدول الأميركية»، وافقت الأسبوع الماضي على مشروع قرار يقضي بعقد اجتماع لوزراء خارجية دول المنطقة يوم 31 مايو المقبل لمناقشة الأزمة السياسية والإنسانية التي تعصف بفنزويلا. ويعتبر هذا القرار بحد ذاته، انتصاراً للقوى المؤيدة للديمقراطية، لأن نظام كاراكاس حاول بكل جهده منع انعقاد اجتماع على هذا المستوى. وصوتت لمصلحة القرار 18 دولة، من بينها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين. وامتنعت 13 دولة كاريبية عن التصويت لمجرد أنها تحصل على البترول المجاني من فنزويلا. وأما الأخبار السيئة، فتتلخص في أن هذه الأغلبية المتمثلة في 18 دولة، لم تتمكن من الاتفاق على فرض عقوبات دبلوماسية إقليمية كافية على فنزويلا. ووفقاً للميثاق المعمول به في «منظمة الدول الأميركية»، فإن اجتماع 31 مايو يحتاج إلى موافقة أغلبية ثلثي الأعضاء (أي 24 صوتاً على الأقل)، لفرض العقوبات، وهذا أمر بعيد الاحتمال وفقاً لما يعتقده خبراء في سياسات المنطقة. والآن، وفي غياب أعلبية ثلثي الأصوات الضرورية لفرض عقوبات دبلوماسية على نظام كاراكاس وإجباره على احترام حكم القانون، وهو ما ينبغي على فنزويلا الالتزام به وفقاً للمعاهدات المعقودة بين الدول الأميركية، فإن الدول الكبرى في المنطقة ستثبت حكمتها لو اتخذت الخطوات التالية: 1- إصدار بيان قوي بتوقيع أكبر عدد من البلدان في اجتماع وزراء الخارجية، في 31 مايو، للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في فنزويلا بإشراف مراقبين دوليين مشهود بنزاهتهم، واحترام السلطات الدستورية للجمعية الوطنية ذات الأغلبية المعارضة للنظام القائم، وإطلاق سراح كل المساجين السياسيين. ويقتضي هذا من وزراء الخارجية تشكيل وفد يتكفل بالسفر إلى كاراكاس من أجل تقصي الحقائق على الأرض، وإعداد تقاريره للاجتماع السنوي للجمعية العامة لـ «منظمة الدول الأميركية» الذي سينعقد في مدينة «كانكون» المكسيكية بتاريخ 21 يونيو المقبل. 2- تحضيراً لاجتماع «كانكون»، يتحتم على رؤساء دول أميركا اللاتينية الكبرى إطلاق بيانات فردية تطالب بإجراء انتخابات مبكرة في فنزويلا. وحتى الآن، وفيما عدا بعض الاستثناءات القليلة التي تتعلق برئيسي البيرو والأرجنتين، ظلت هذه المطالب تصدر عن مسؤولين من ذوي المراتب المنخفضة في سلم المسؤولية. 3- ستسعى دول أميركا اللاتينية من خلال الاجتماع الذي سينعقد في «كانكون» إلى تأمين أغلبية ثلثي الدول الأعضاء للمطالبة بإجراء انتخابات في فنزويلا بحيث تخضع لمراقبة فرق متخصصة من «منظمة الدول الأميركية» ومراقبين من الاتحاد الأوروبي. وعلى الولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية أن تعمل على إقناع الدول التي تقع تحت تأثير دعم ومساعدة النظام في كراكاس، مثل هاييتي وسان فنسنت وجزر جرينادا، أن تنحاز إلى صف الديمقراطية. ولا شك أن الدعوة الإقليمية لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في فنزويلا ستمثل خطوة كبرى إلى الأمام. ونحن نرى كيف أن الدول الأعضاء في «منظمة الدول الأميركية» كانت قد تقدمت باقتراحات غير حازمة لفنزويلا لاحترام أجندات الاستحقاقات الانتخابية. ويرى بعض المشكيين عدم جدوى اتخاذ أي قرار من جانب «منظمة الدول الأميركية» حول الوضع في فنزويلا، ويعتقد هؤلاء أن أي قرار في هذا الشأن لن يخلق أي تحول كبير في الموقف. ويستشهد هؤلاء المتشائمون بما قاله رئيس النظام الفنزويلي من أنه سيدعو المجلس الدستوري لإصدار دستور جديد على الطريقة الكوبية. وأنا لا أرى أن ذلك صحيح. لأن الضغوط المسلطة من الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية ضد هذا النظام ستشكل عنصراً أساسياً يصب في مصلحة المعارضة الفنزويلية، ويمكن لهذه الضغوط أن تساهم أيضاً في تعميق الانشقاقات داخل النظام ذاته، وتساعد على القبول بحل إجراء الانتخابات المبكرة. وقد رأينا بالفعل خلال الأسابيع القليلة الماضية كيف أن بعض كبار المسؤولين الحكوميين ينشقون عن النظام واحداً تلو الآخر، وكان من أبرزهم المدعية العامة الفنزويلية لويزا أورتيجا التي أفادت في تصريح علني بأن الحكومة انتهكت حكم القانون. وبعد أن أظهرت استطلاعات رأي أن 80 في المئة من الشعب الفنزويلي يريدون رحيل النظام، وإذا أضفنا إلى ذلك عقوبات أميركية مناسبة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في فنزويلا، فضلاً عن الضغوط الدبلوماسية من دول أميركا اللاتينية، فلا شك أن النظام سيضطر للإذعان. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»