حظي المؤتمر الدولي لتجريم الإرهاب الإلكتروني، الذي أنهى أعماله أمس في العاصمة أبوظبي باهتمام كبير، ليس فقط لطبيعة القضية المهمة التي تناولها، وهي ظاهرة الإرهاب الإلكتروني التي باتت تشكل خطراً على الأمن الوطني الشامل لدول العالم أجمع، وإنما أيضاً بالنظر إلى البيان الختامي الصادر عنه تحت عنوان «إعلان أبوظبي»، الذي يتبنى رؤية شاملة ومتكاملة لكيفية التصدي للإرهاب الإلكتروني في الفضاء الرقمي، وخاصة فيما يتعلق بتوظيفه من جانب بعض الجماعات كمنصة تحريضية على العنف والتطرف والإرهاب، حيث دعا هذا الإعلان إلى اعتماد اتفاقية دولية ملزمة تحظر الإرهاب الإلكتروني بأشكاله كافة، بما في ذلك محاولات التجنيد، والتحريض على الإرهاب والدعوة إليه، والإشادة به، وتمويله، وعدم التبليغ عنه، وتتصدى للدعوة إلى العنف، والكراهية، والتمييز العرقي والديني، والإساءة إلى الآخرين وإلى الأديان. «إعلان أبوظبي» استطاع أن يقدم خريطة طريق واضحة للتعامل مع خطر الإرهاب الإلكتروني في الفضاء الرقمي، تأخذ في الاعتبار جميع الأبعاد المرتبطة بهذا الخطر من أجل التصدي له، وذلك من خلال التحرك على ثلاثة مسارات متوازنة: الأول، التحرك المنسق والسريع من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إزاء المخاطر والتهديدات الإرهابية الإلكترونية في العالم. والثاني، دعوة الدول إلى تبني مقتضيات هذا الاتفاق الملزم وتفاصيل مبادئه وتوضيحها أكثر في قوانينها الداخلية، ووضع قانون خاص يتعلق بالجرائم الإلكترونية. والثالث، العمل على إنشاء هيئات وطنية للمعلوماتية والحريات والأمن الإلكتروني، تتولى وضع سياسات واستراتيجيات في إطار سيادة القانون، لرصد ومجابهة المحتوى الرقمي الذي ينطوي على مخاطر إرهابية. لقد تزايد خطر الإرهاب الإلكتروني في الآونة الأخيرة، وبات يمثل تهديداً حقيقياً للأمن الوطني للعديد من دول العالم، سواء من جانب العديد من الجماعات المتطرفة والإرهابية التي تستغل الفضاء الرقمي في نشر أفكارها الهدامة والمتطرفة، وتعمل على تجنيد النشء والشباب في صفوفها، أو من جانب عصابات الجريمة المنظمة التي تستخدم الهجمات الإلكترونية من أجل السرقة والابتزاز المالي للأفراد والمؤسسات، لهذا فإن دعوة «إعلان أبوظبي» إلى اعتماد اتفاقية دولية ملزمة تحظر الإرهاب الإلكتروني بأشكاله كافة، تمثل خطوة مهمة على طريق تعزيز الجهود الدولية الرامية إلى مواجهة خطر الإرهاب الإلكتروني في أبعاده المختلفة. ولعله مما يضاعف أهمية إعلان أبوظبي أنه أخذ في الاعتبار جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية، والهيئات الدولية، المعنية بظاهرة الإرهاب الإلكتروني، وكذلك التجارب الدولية المهمة في كيفية التعامل مع هذه الظاهرة. لا شك في أن التجربة الإماراتية في مواجهة الإرهاب الإلكتروني، تمثل نموذجاً يحتذى به، ويمكن الاستفادة منها عربياً وإقليمياً ودولياً، لأنها تتعامل مع ظاهرة الإرهاب الإلكتروني من منظور شامل، سواء من خلال القوانين والتشريعات التي تتصدى للإرهاب الإلكتروني، حيث أصدرت أول قانون لمكافحة جرائم تقنية المعلومات في دول الخليج بهدف حماية أنظمة المعلومات والوثائق التي تنشرها الدوائر والمؤسسات الحكومية على شبكة الإنترنت، أو من خلال تعزيز إجراءات الأمن الإلكتروني عبر تبني أحدث التقنيات للتطبيقات الإلكترونية وأحدث الآليات والحلول لأمن الشبكات، أو من خلال العمل على تحسين قدرة أفراد المجتمع على استخدام الخدمات الإلكترونية، وتوعيتهم بشكل مستمر بمخاطر الإرهاب الإلكتروني، عبر برنامج «المواطن الرقمي» الذي يهدف إلى محو الأمية المعلوماتية لكل فئات المجتمع. وقد حظيت هذه التجربة بإشادة المشاركين في المؤتمر، الذين دعوا إلى الاستفادة منها في تعزيز جهود مكافحة الإرهاب الإلكتروني. لعل أهم ما كشفته مناقشات المؤتمر الدولي لتجريم الإرهاب الإلكتروني في أبوظبي، أن هناك اتفاقاً بين المشاركين على ضرورة التحرك الجاد من أجل اعتماد اتفاقية دولية ملزمة تحظر الإرهاب الإلكتروني بأشكاله كافة، وخاصة في ظل تصاعد وتيرة التهديدات الإرهابية التي تنطلق من الفضاء الإلكتروني ومخاطرها على الأفراد والمجتمعات والدول، ولا شك في أن «إعلان أبوظبي»، وما تضمنه من توصيات مهمة، سيشكل مرجعية رئيسة في سياق الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب الإلكتروني. عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية