غداً الجمعة 19 مايو تبدأ انتخابات الرئاسة الإيرانية، وتتجه الأنظار إلى الحراك الشعبي الداخلي وما تفضي به استطلاعات الرأي في الداخل الإيراني وانعكاسها على حظوظ المترشحين للفوز بكرسي الرئاسة في دورته الثانية عشرة. ونحاول استقراء الانتخابات الرئاسية وفق المعطيات الحالية وإسقاط معطيات الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2013م على هذه الانتخابات. وبخصوص الكتلة الانتخابية، يبلغ عدد من يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات قرابة 56 مليون ناخب بزيادة تلامس المليون والنصف مليون ناخب، جميعهم من فئة الشباب، حيث ينقسم الناخبون في الكتلة الانتخابية الإيرانية وفق انتخابات 2013م إلى التالي: النسبة الأكبر من الناخبين تتراوح أعمارهم بين 30- 64 سنة أو ما يطلق عليهم تسمية الناخبين الكبار ويشكلون نسبة 57% ( وهذا يعني ما يقارب الـ 31 مليون ناخب)، في حين الفئة الثانية فئة الشباب بمتوسط عمر أقل من 30 سنة ونسبتهم نحو 33% (وهو ما يساوي أكثر من 18 مليون ناخب)، مضافاً لذلك دخول مليون ونصف مليون شاب في دائرة الكتلة الانتخابية. محورية الاقتصاد يمكن قراءة معطيات الداخل الإيراني قبيل الانتخابات في أن الاقتصاد الإيراني لا يزال يعاني صعوبات على الرغم من توقيع الاتفاق النووي وهو ما يدفع التيار الأصولي إلى انتقاد حكومة روحاني، التي بدورها تؤكد على أن الاتفاق قد أنقذ إيران من أزمة حقيقية والأمر يتطلب بدوره المحافظة على هذا الاتفاق والسعي لرفع بقية العقوبات المفروضة علي إيران في ملفات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب وغيرها. انسحاب «محمد باقر قاليباف» و"مصطفى مير سليم" لصالح «رئيسي»، يعزز موقف التيار الأصولي والحيلولة دون تشتت الأصوات، كما حدث في 2013. وفي مقابل التيار الأصولي، سيكون حسن روحاني المرشح الوحيد للتيار «الإصلاحي» والمعتدل، وهو ما ساهم بشكل كبير في فوزه عام 2013، ليلاقي الدعم ذاته من قبل محمد خاتمي ومهدي كروبي وكذلك الاستفادة من إرث رفسنجاني. من ضمن المعطيات الأخرى بروز إبراهيم رئيسي في المناظرات التلفزيونية بكفاءة أقل عن حسن روحاني الذي وجه التهم له بأنه يوظف المال العام لخدمته بالإضافة إلى أن يده ملطخة بدماء من تم إعدامهم عام 1988، حيث كان «رئيسي» أحد أعضاء اللجنة التي أصدرت تلك الأحكام. وفي المقابل لاقى روحاني وأداء حكومته سيلاً من الانتقادات نظراً لاعتبار أن حكومته لم تقم بخطوات ملموسة تجاه الوضع الاقتصادي، وأنه في الوقت الذي ينتقد الإعدامات، كان قد أيدها علناً حين كان محافظاً في البرلمان. ووفقاً للانسحابات ستصبح إذاً المنافسة بين كل من حسن روحاني ممثل التيار «الإصلاحي» والمعتدل في مقابل ممثل التيار الأصولي "إبراهيم رئيسي". بالنظر إلى الصورة العامة قبيل انتخابات 2013م يمكن ملاحظة أن الاقتصاد الإيراني وصل إلى حالة من الإنهاك وانخفاض لتصدير النفط إلى قرابة 900 ألف برميل يومياً بعد أن كان يناهز الـ 2.5 مليون برميل. ومن الملاحظات المهمة في الانتخابات السابقة أن خمسة مترشحين من التيار الأصولي استمروا في الانتخابات الرئاسية وهم علي أكبر ولايتي، ومحسن رضائي، وسعيد جليلي، ومحمد باقر قاليباف ومحمد غرضي، في مقابل انسحاب «الإصلاحي» محمد رضا عارف لصالح حسن روحاني. ملامح عامة الصورة العامة قبيل الانتخابات الرئاسية في 19مايو 2017، يمكننا وصف ملامحها، كالتالي: توحيد لجبهة الأصوليين كما هو الحال بالنسبة للتيار الإصلاحي والمعتدل. انكشاف لحكومة روحاني وانتقادات للوضع الاقتصادي بعد ما كان نقطة قوية في برنامج روحاني الانتخابي عام 2013. التزام التيار الأصولي ومرشحه بالاتفاق النووي نظراً لرغبة النظام وبالتالي تفويت الفرصة على روحاني لتوظيف ذلك. منطقية الطرح لدى روحاني وحكومته، في مقابل وعود تعتبر غير منطقية من قبل إبراهيم رئيسي ومنها مضاعفة الدعم الحكومي ثلاثة أضعاف. تخوفات ربما في الداخل الإيراني من أن وجود رئيس أصولي جديد سوف يعرقل استثمار الاتفاق النووي ومخرجاته، وتخوفات خارجية من الحكومة الجديدة وبالتالي مزيد من التراجع والتردد من قِبل المستثمرين الأجانب للدخول في السوق الإيرانية. وبالنظر إلى نتائج الكتل الانتخابية للمحافظات الإيرانية في الانتخابات الرئاسية في 2013، والتي يمكن إسقاطها على الانتخابات القادمة، يمكن الخروج بخلاصات منها: تشتت أصوات الأصوليين في مقابل مرشح وحيد من قبل الإصلاحيين والمعتدلين وهو حسن روحاني. ففي مقابل الـ 18.613.329 صوتا التي حصل عليها حسن روحاني في 2013م جاءت أصوات الأصوليين مجتمعة 16.845.418 صوتا، أي بفارق مليون و 767 ألف صوت فقط لصالح روحاني. فآنذاك ، بلغ فارق الأصوات التي حصل عليها روحاني مقابل "قاليباف" نحو 12.536.037 صوتا، وبالتالي ذهاب هذه الكتلة الانتخابية لصالح رئيسي في مقابل روحاني، حيث حصل "روحاني" عام 2013 على 18 مليون صوت، وحصل "قاليباف" على قرابة 6 ملايين صوت. وأرى أن إعلان المجلس الاستراتيجي للسُنة دعمه لروحاني في الانتخابات القادمة يعني أن محافظات مثل: سيستان وبلوشستان وكرمان وخوزستان ستدعم روحاني في هذه الانتخابات، وهي كتلة كبيرة مقارنة بمحافظات أخرى لعلها تدعم «رئيسي»، ولكن يجب عدم إغفال أن «رئيسي» كانت له زيارات لمحافظات ورجال دين سُنة في إيران مما يرجح أن يكون قد استمال جزءاً من هذه الكتلة. اتجاهات المحافظات وبالنسبة للمحافظات الإيرانية، فيمكن الرجوع لانتخابات 2013 ، حيث صوتت محافظة بوشهر 278 ألفا و 763صوتا لروحاني مقابل 64 ألفا و 881 صوتا لقاليباف، وفي محافظة خوزستان صوّت 675 ألفا و 495 صوتا لصالح روحاني، مقابل 117 ألفا و 977 صوتا اختارت "قاليباف". وفي محافظة سيستان و بلوشستان صوّت 770 ألفا و 394صوتا لصالح روحاني مقابل 109 آلاف و 390صوتا لـ"قاليباف". وفي محافظة فارس صوت مليون و 292 ألفا و 853صوتا لروحاني مقابل 247 ألفا و 615 صوتا لـ"قاليباف". وفي محافظة قُمْ، صوّت 209 آلاف و 785صوتا لروحاني، مقابل 89 ألفا و 987صوتا لصالح قاليباف. ويمكن القول إن إعلان كل من جمعية علماء الدين المناضلين ومدرسي قم دعمها لـ"رئيسي" يعطي دلالة على أن "قم" ستدلي بأغلبية أصواتها لهذا المرشح، ولكن تبقى الكتلة الانتخابية لقم قليلة كما نراها في مجتمعة في انتخابات 2013م. تولي رئيسي منصب سادن العتبة الرضوية في مشهد يعطي مؤشر على أنه سينال أغلبية الأصوات في محافظة خراسان الرضوية والشمالية والجنوبية إلى حدٍ ما. ولكن وكما نشاهد في نتائج انتخابات 2013م تبقى الكتلة الانتخابية محدودة مقارنة بالمحافظات الأخرى وخاصة التي تكون الغالبية فيها سنية. على سبيل المثال محافظة خراسان الجنوبية أعطت في انتخابات 2013 192 ألفا و 446صوتا لروحاني مقابل 101 ألف و 713صوتا لـ"قاليباف"، وفي محافظة خراسان الرضوية أعطت 529 ألفا و 344صوتا لصالح "روحاني" مقابل 303 آلاف و 555صوتا لـ"قاليباف". وفي محافظة خراسان الشمالية، صوّت 226 ألفا و 144صوتا لروحاني مقابل 157 ألفا و800 صوت لـ"قاليباف". ويلاحظ حصول روحاني في الانتخابات الرئاسية عام 2013 على كتلة تصويتية كبيرة في المحافظات الشمالية والشمالية الغربية في إيران والتي تلعب دور في ترجيح كفة مترشح دون آخر بالنظر إلى عدد المشاركين في الاقتراع، وهو ما حدث في محافظة أذربيجان الشرقية، ومحافظة أذربيجان الغربية، ومحافظة أردبيل، ومحافظة أصفهان، ومحافظة کردستان، ومحافظة کرمانشاه، ومحافظة جلستان، ومحافظة جيلان ومحافظة مازندران. بين "رئيسي" و"روحاني" ما هي التوقعات إذاً في ظل المعطيات السابقة؟ المعطيات تشير إلى أن المنافسة ستنحصر بين مرشح التيار الأصولي "إبراهيم رئيسي" و"حسن روحاني" وذلك بعد انسحاب "قاليباف" تبعه انسحاب "جهانجيري" لصالح حسن روحاني. وأن فارق المليون و767 ألفا بين مترشحي التيار الأصولي ومرشح التيار الإصلاحي والمعتدل يعطي دلالة على أن فوز أحد المترشحين لن يكون بفارق كبير شرط وجود ذات الكتلة الانتخابية، فتصريح وزير الداخلية الإيراني أن نسبة المشاركة ستكون 60% تعتبر أقل من المشاركة في 2013م. كما أن للأصوات الصامتة دورها في تعزيز كفة التيار الإصلاحي والمعتدل والتي إن شاركت بقوة في هذه الانتخابات فسيؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة المشاركة وبالتالي تسير في صالح التيار الإصلاحي والمعتدل، ويمكن تتبع الأصوات الصامتة عادة في المحافظات الكبرى مثل طهران وأصفهان. يبقى لعنصر المفاجأة دوره في ترجيح كفة مترشح على الآخر ولا يمكن الاستهانة بقوات التعبئة (الباسيج) في حال تم تلقيها أوامر بالمشاركة المكثفة في الانتخابات والتي وإن حدثت ستسير في مصلحة المترشح إبراهيم رئيسي.