تأكيد المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الليبي، على أن «الجيش لن يسمح بتحويل العاصمة طرابلس ملاذاً للإرهابيين»، ينبغي النظر إليه من زاويتين؛ الأولى محلية لجهة الدعم الشعبي، أو على الأقل التأييد والتعويل على الجيش الليبي في القضاء على الجماعات الإرهابية أولاً، وتوحيد ليبيا ثانياً، وبالطبع هذا التأييد هو الذي أجبر السياسيين على الدخول في حوار مباشر مع الجيش. والزاوية الثانية: أن هناك دعماً دولياً للجيش الليبي، بعد فشل السياسيين. صحيح أن دولاً وقوى تعمل على محاولة تطويعه لخدمة مصالحها، وتبعيتها، ودفعه ليكون وحيداً في مواجهة الجماعات الإرهابية، لكن بالمقابل هناك دول أخرى تسعى بجد من أجل استقرار ليبيا. حديث حفتر عن تصفية العاصمة طرابلس من الإرهابيين، هو في حقيقة الأمر خطاب سياسي، وليس فعلاً عسكرياً فقط، وهو موجه بالأساس للقوى السياسية في الداخل، التي تراهن على بقاء الفوضى، وانعدام الشرعية، على الرغم من أن المشير حفتر يصر على إعطائه طابعاً عسكرياً خالصاً، كما جاء في كلمة ألقاها أمام العرض العسكري الذي أقيم في شرق بنغازي بمناسبة حلول الذكرى السنوية الثالثة لإطلاق «عملية الكرامة»، حيث قال: «عملية الكرامة بدأت في أواسط مايو 2014، وخلال هذه الفترة تمكَّن الجيش الليبي من طرد المتشددين من عدة مناطق في البلاد وخاصة في الشرق والجنوب، وفرض سيطرته على الهلال النفطي، وتمكن عملياً من طرد المسلحين من بنغازي». الحرب التي يشنها الجيش الليبي حققت بعضاً من أهدافها، وعجزت عن تحقيق أخرى، بسبب الخلافات القائمة حول طبيعة الحكم، وأولويات المرحلة، لكن الذي لاشك فيه أنها أحبطت الهدف الأساسي للجماعات الإرهابية، المتمثل في محاولتها تدمير الجيش الليبي، ومن ثم سلب الشعب الليبي كرامته، والأكثر فإن الجيش أنقذ البلاد بدرجة نسبية من مصير مجهول كادت تؤول إليه، وحقق الأمان، وإن بدا أكثر حضوراً في مناطق ليبية دون أخرى، من ذلك تحسُّن الوضع الأمني ??في بنغازي وتراجع الأنشطة الإرهابية، كما تمت السيطرة على الأسعار وتوفير الخدمات العامة، وهذا يعود الفضل فيه إلى الجيش، وربما سيشكل دافعاً للقبول بحلول الجيش في طرابلس، كما يفهم من كلمة خليفة حفتر. الحرب على الإرهاب في ليبيا ستدخل مرحلة جديدة، أرضها العاصمة السياسية طرابلس، وهي الفضاء الجامع لكل مؤسسات الدولة، وتشديد حفتر على أن الجيش لن يسمح بوجود هيئات مسلحة موازية، وأيضاً قوله: «لن يسمح الجيش بسقوط الدولة الليبية، وسيعمل على تحرير طرابلس من التنظيمات المسلحة، ولن يسمح ببقائها بمثابة وكر للإرهابيين»، يعني أن هناك اتفاقات محلية ودولية على الأوضاع في ليبيا، وليس هناك من خيار إلا الانتصار، لكن هل هذا ممكن وعملية الكرامة تدخل عامها الثالث، والجيش الليبي لم يستطع الحسم بشكل نهائي في المناطق الواقعة تحت سيطرته؟ نعم، يمكن أن ينتصر رغم تدهور الوضع وتعدد المليشيات المسلحة، ولكن بثلاثة شروط، أولها: عدم إقصاء أي طرف ليبي من حوار عام، وثانيها: عدم التعويل على الدعم العسكري الخارجي، وثالثها: التعاون مع دول الجوار لدعم الخطة المستقبلية للجيش الليبي مع عدم الميل لدولة جارة على حساب أخرى. وتحقيق هذه الشروط ليس أمراً صعباً، وإلا ستظل الأزمة الليبية قائمة لسنوات أخرى، ولن ينهيها استيلاء الجيش على العاصمة، كما هو منتظر، وما يحدث في دول قريبة منها ليس بالبعيد.