ترتبط القضية الكردية اجتماعياً وتاريخياً وجغرافياً بأراضيها الواقعة في أجزاء من إقليم العراق وإيران وتركيا وسوريا، حيث يوجد الأكراد كمجتمعات كبيرة ذات هوية واحدة متعددة الأعراق. وقد أصبحت القضية الكردية من «إقليم كردستان العراق، مع تعدد أحزابها ومليشياتها والتي تتضارب وتتصادم فيما بينها أحياناً كثيرة»، تحتل مكاناً مهماً من خلال اتساع دائرتها الإقليمية في «العراق وإيران وتركيا وسوريا»، نحو أمن منطقة الخليج ومحاربة التطرف الإسلامي وحماية الأقليات كالمسيحيين، ومسارات الثورة السورية والتدخل الدولي، إلى الحيلولة دون هيمنة تركية أو إيرانية في الشرق الأوسط. ويقدم البعد التاريخي للقضية الكردية بأنها تمتاز بالقدرة على تغيير السياسات والتحالفات وتفريع وتشتيت القوى الإقليمية إلى يومنا هذا. ففي أواخر الستينيات من القرن المنصرم حتى توقيع إنهاء الصراع حول شط العرب في اتفاقية الجزائر 1975 بين إيران والعراق، كان الشاه يدعم الأكراد لزعزعة أمن العراق وإضعافهِ، مقابل ذلك دعم العراق العرب في الأهواز لذات الغرض، كما حاول «البعث العراقي» معالجة القضية الكردية في التشريعات الداخلية. ومع حدوث تغيرات إقليمية بسقوط نظام الشاه العلماني، قام نظام الملالي بدعم «حزب العمال الكردستاني» في جارتهِ تركيا في إطار محاربة الغرب المتحالف دائماً مع الحكومات التركية العلمانية المناقضة له في ماهية النظام السياسي. وتزامن ذلك، مع دعم طهران أيضاً إلى «الاتحاد الوطني الكردستاني» في شمال العراق، مقابل دعم صدام حسين «للحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق»، وهو ما جعل نظام «البعث» في تصادم مسلح كبير ضد فئات من الأكراد. علاوة على ذلك، ففي الفترة من تحرير الكويت إلى سقوط بغداد 2003، بدأت القضية الكردية تأخذ طرقاً جديدة في سياسات وتحالفات منطقة الشرق الأوسط، فالأكراد العراقيون المحميون من قوات صدام داخل منطقة حظر الطيران شمال العراق التي فُرضت بقيادة غربية من خلال قواعد جوية تركية، خلقت علاقات متضاربة، حيث تعاونت حكومة أنقرة مع الحزب «الديمقراطي الكردستاني» العراقي ضد «حزب العمال الكردستاني التركي». وإلى دمشق، التي أخذت تلعب بنار القضية الكردية حيث دعمت «حزب العمال الكردستاني التركي» كورقة لإجبار أنقرة على الجلوس على طاولة المفاوضات فيما يخص بمطالبة دمشق بلواء الإسكندرونة وحول مسائل تقاسم مياه نهر الفرات، وكادت هذه الورقة تقود إلى حرب بين الطرفين «دمشق وأنقرة» عام 1998. والنتيجة كانت تخلي دمشق عن ورقة حزب العمال الكردستاني ومغادرة زعيم الحزب عبدالله أوجلان دمشق ليتم اعتقالهُ في كينيا 1999، بمساعدة واشنطن وتتويجاً لتطور العلاقات التركية الإسرائيلية 1996، وترتب على ذلك أيضاً، تعاون تركي سوري حتى الثورة السورية. واستمر اللعب بنار القضية الكردية مع بدء الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث كانت طهران تخشى وجود الجيش الأميركي في العراق المجاور كما هو الحال في أفغانستان، وهي بذلك كانت تريد منع محاصرتها عبر تركيا، وقدمت طهران لأنقرة عمليات من قصف معسكرات «حزب العمال الكردستاني التركي»، وأنشأت لجنة حدودية مشتركة مع تركيا لتبادل الاستخبارات، ورد الحزب بإنشاء فرع إيراني تابع له أسماه «حزب الحياة الحرة لكردستان»، وبدأت عملياتهُ ضد إيران عام 2003. ومن المتغيرات المهمة حدوث تنافس وصراع بين أنقرة وطهران في رسم صورة العراق الجديد، حيث جعلته إيران طائفياً مذهبياً عبر حليفها المالكي الذي أخذ يحارب ممثلي تركيا، والأمر الذي قاد إلى مظاهر الصراع المذهبي، وترتب على الصراع المذهبي هذا، خروج إطار جديد بين الأكراد والعرب السنة بعيداً عن مآسي نظام «البعث» العراقي، ووصل الصراع الإيراني التركي إلى سوريا وثورتها في أبعاد بقاء نظام بشار وتمدد النفوذ الإيراني. وتشير الوقائع المعاصرة للقضية الكردية «من حكومة أربيل والقوى الكردية المتعددة» بأنها قادرة على المساهمة في التحكم وتوجيه الصراع في الخليج والشرق الأوسط عبر ملفات أمنية وسياسية مهمة، مثل الصراع التركي الإيراني على منطقة الشرق الأوسط، ومنع التوسع الإيراني، وخروج ومحاربة «داعش»، إلى جانب فعالية الأكراد في مسارات الثورة السورية والأمن التركي والإيراني والإسرائيلي، واحتمالية تقسيم العراق وسوريا، إلى جانب أهمية الصراع بين حكومة بغداد وحكومة أربيل على أقاليم ونظم إدارية ومالية وأمنية، مع وجود علاقات قوية أيضاً مع موسكو وواشنطن، ولا نخفي حقيقة كون «القضية الكردية» أطلقت العنان لتطلعات دينية وعرقية وقومية في الشرق الأوسط، رغم استحقاقها التاريخي والاجتماعي. ونطرح هنا رؤية أمنية للقضية الكردية في أمن الخليج، ولتكن البداية الكويت كنموذج، فالعلاقات الكويتية مع أربيل «كإقليم كردي معترف به» يخدمها في جعل حكومة بغداد مقيدة في محددات أمنية وسياسية من خلال الطبيعة الجغرافية المعقدة من كردستان العراق «حكومة أربيل»، والكويت وإيران والسعودية، فهذا الجوار الجغرافي يمنع ويضعف أي احتمال لتحالف بين طهران وبغداد ضد أمن الكويت، وإذا نظرنا إلى تلك الأطراف، نرى تصنيفات عدة كأن نقول أطراف عربية مع أطراف غير عربية إيران وحكومة أربيل، أو في إطار الصراع المذهبي نرى حكومة أربيل والكويت والسعودية في دائرة السُنة، ومن خلال منظور الدول كحجم الدول وقوتها نرى دولاً صغيرة مثل الكويت وحكومة أربيل وحكومة بغداد الضعيفة ودول كبيرة وقوية إقليمياً كالسعودية وإيران، ناهيك عن أهمية دور ووضع دول مجاورة للعراق وأربيل وإيران مثل باكستان وتركيا وسوريا، كل ذلك يخلق المحددات السياسية والأمنية. وعلى نموذج آخر، نأخذ الصراع بين إيران وتركيا على القوة الأهم في منطقة الشرق الأوسط، حيث نكتشف بأن حكومة أربيل «القريبة من تركيا» وتعدد القوى الكردية في سوريا وتركيا وإيران، يمثل عاملاً يحول دون تمكن إيران وتركيا من الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، خاصة إذا كانت أطراف خليجية عربية تدعم ذلك مع حتمية أن إسرائيل دخلت في هذه المسألة، كما أن قوة الحضور الكردي كقومية ونظام سياسي لإقليم «أربيل» يزعزع أمن إيران، حيث توجد لديها قوميات مضطهدة. وعلى كل ما سبق، هناك دول عربية من دول مجلس التعاون عليها تشكيل علاقات أمنية استراتيجية مع حكومة أربيل وأطراف القضية الكردية من منطلق إعادة الاستقرار في المنطقة، مع الحاجة الضرورية الكردية إلى توفر علاقات عربية إقليمية لتحقيق أمنهم وطموحهم في دولة مستقلة قوية، وتلك العلاقة يقويها عدم وجود موروث تاريخي صراعي، وتوفر العامل العقدي بالمذهب السني، وإمكانية فتح علاقات اقتصادية أكبر مما هي عليه مع أربيل، ناهيك عن أهمية فتح العلاقات الثقافية والتراثية بينهم.