أين تختبئ منظمة «بوكو كرام» النيجيرية الإرهابية هذه الأيام، وماذا تعد لمسلمي ومسيحيي أفريقيا من مفاجآت؟، وماذا تحمل في يديها غير الدمار والموت والاختطاف، إن كانت الضحايا من الفتيات الـ 276 اللاتي اختطفت عام 2014، وأفرجت مؤخراً عن 82 منهن؟ كانت الحركة في حالة تراجع خلال عام 2015، كما تقول مراصد الإرهاب الدولية، ربما بسبب تغير استراتيجية الدولة النيجيرية في سبل مكافحة التنظيم، وربما لبداية الحملة العسكرية للتحالف الإقليمي لمحاربته.. غير أن التنظيم عاد بقوّة فيما بعد رغم الانشقاقات في صفوف قادته، لينشر الموت والحريق وسط قرى أفريقيا ومعسكراتها. وتقول الباحثة د. أميرة عبد الحليم، من مركز دراسات الأهرام، إن هجمات التنظيم تركزت على الشمال الشرقي في نيجيريا، بما في ذلك مدينة «مايدو جوري» أكبر مدن الشمال ومهد «بوكو حرام»، حيث تمكن من قتل 83 جندياً في الهجوم على قاعدة عسكرية. ورغم «تزمت» فكر الحركة، إلا أن المراقبين يسجلون تزايداً في اعتمادها على النساء وحتى الأطفال في تنفيذ الهجمات الانتحارية، حيث أعلن الجيش النيجيري في يوليو 2016 أن جنوده قتلوا بالرصاص شمال شرقي البلاد انتحاريتين كانتا ترتديان أحزمة ناسفة، في حين فجرت الثالثة نفسها في وقت لاحق وسط نازحين كانوا يحاولون الحصول على الماء وملء أوعيتهم.. ولحسن الحظ لم يصب الكثير منهم! من أوجه «تطرف» التنظيم، فيما يرصده مقال د. عبدالحليم، «تدمير قرى في الشمال النيجيري من خلال عمليات نهب الغذاء، والماشية، وحرق المنازل، وخطف النساء، والأطفال، ومهاجمة موظفي الحكومة والتجار. فخلال شهر أغسطس 2016، قتل تنظيم «بوكو حرام» عشرة أشخاص، وخطف 13 آخرين في قرية قريبة من شيبوك التي خطف فيها المتطرفون أكثر من مئتي تلميذة في 2014. كما اجتاح مقاتلون تابعون لـ «بوكو حرام» عدداً من القرى بشمال شرق البلاد، خلال شهر نوفمبر 2016، وأجبرت الهجمات التي شنها مقاتلو الجماعة مئات السكان على النزوح من القرى، بينما نفذ المقاتلون عمليات نهب وحرق في المنطقة القريبة من مدينة شيبوك، حيث قام المقاتلون بتدمير 9 قرى»! ما الذي جدد قوة «بوكو حرام»؟ عدة أسباب أبرزها التحالف مع تنظيم «داعش» بعد انتقال تنظيم «داعش» إلى الشمال الأفريقي عقب الضربات التي نالته في بلاد الشام والعراق، وتكوينه لمركز جديد له في مدينة «سرت» الليبية، حيث بدأ «بوكو حرام» التواصل معه والترتيب لمبايعته. ويبدو أن تنظيم القاعدة كان قد رفض قبول «عضوية» بوكو حرام في أسرته الإرهابية، «على ضوء سياسته التكفيرية واستهدافه المسلمين بشكل عشوائي، بالإضافة إلى طموح «بوكو حرام» بتأسيس إمارة إسلامية في شمال نيجيريا. ورغم هذا استمرت علاقة «بوكو حرام» بـ«القاعدة» لغياب البديل. لم تكن فكرة الغربي والعلمانية هي الدافع الأساسي لنشأة «بوكو حرام»، بل حالة التهميش التي تعرضت لها مناطق الشمال النيجيري..والفساد الهائل المنتشر في قطاعات اقتصادية عديدة وأهمها قطاع النفط. ويلاحظ أن الكثير من المجتمعات المحلية في نيجيريا كانت تدعم «بوكو حرام» في بعض الأحيان، «كجزء من اعتقادهم بأن التنظيم الإرهابي سوف يساعدهم في تغيير الحكومة المفتقدة للشرعية»، حسب الباحثة أميرة عبدالحليم. وتقول الباحثة: «ولكن هذا الأمر تغيّر مع ظهور «داعش»، خاصة بعد إعلانه في 29 يونيو 2014 «تأسيس الخلافة الإسلامية»، وتنصيب أبي بكر البغدادي كخليفة. فعلى الفور، وعقب هذا الإعلان، أعلن زعيم «بوكو حرام» شيكاو في يوليو 2014 دعمه للخلافة الإسلامية والبغدادي، الذي أطلق عليه «زعيم كل المسلمين في كل مكان». وفي نهاية العام، أعلن شيكاو عن تأسيس إمارة إسلامية في شمال نيجيريا على مساحة 50 ألف متر مربع. وكان رد فعل «داعش» سريعاً على هذا التقارب. فقد نشرت مجلة «دابق»، التابعة لـ «داعش» في أكتوبر 2014 الشروط التي يجب توافرها لقبول ولاء أي من التنظيمات الإرهابية المختلفة، وذكرت أن تنظيم «بوكو حرام» مرشح لتحقيق هذه المكانة». ومنذ ذلك التاريخ برز دعم «داعش» لتنظيم «بوكو حرام» في العديد من المظاهر كتحسين قدراته في الاتصالات والدعاية والتواصل الاجتماعي.. بما في ذلك تحسين نوعية فيديو «بوكو حرام» على الإنترنت. وفي 7 مارس 2015 أعلنت جماعة «بوكو حرام» مبايعتها وولاءها لخلافة «داعش» ولقائدها الخليفة أبي بكر البغدادي، وقبل «داعش» هذه المباعة في 12 مارس من العام ذاته، ثم أعلن تنظيم «بوكو حرام» تغيير اسمه إلى «الدولة الإسلامية.. ولاية غرب أفريقيا». الباحث النيجيري «الخضر عبد الباقي محمد» يشير في الحياة، 12 - 11 - 2016 إلى أن كلمة «بوكو حرام» التي عرفت بها لاحقاً - بعد اسم «طالبان نيجيريا» - مركبة من كلمتين هما «بوكو» وتعنى الكتاب، وهي محرفة من الإنجليزية BOOK، ويقال إنها في الأصل من لغة الهوسا وتعنى التعليم المزيف، أما كلمة (حرام) فهي عربية، فمدلول العبارة أن «التعليم الغربي حرام»، وكانت بدايتها تعرف بجماعة «أهل السنّة للدعوة والجهاد»، وكان زعيمها «محمد يوسف» يتصف بالاعتدال، وكان قد درس في جامعة نيجيريا وله مهارة عالية في استخدام التقنيات الحديثة، إلا أنه وجماعته حاربا الثقافة والعادات الغربية بشدة. ويقول الباحث «هاني نسيرة» في مقال بالشرق الأوسط، 08-02-2016، إن بداية محمد يوسف التنظيمية والدعوية كانت مع جماعة الإخوان المسلمين في نيجيريا بقيادة «إبراهيم الزكزكي» في منتصف الثمانينيات غير أنه رفض ميل زعيمها للتشيع الإيراني الذي اتسع عام 1994، وحدث انشقاق في جماعة الإخوان في نيجيريا. ثم اقترب محمد يوسف من جماعة متشددة تدعى «جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة» التي أسسها كبير قضاة شمال نيجيريا، ثم انفصل عنها معلناً جماعته الجديدة تحت اسم «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد» عام 2002، التي عرفت فيما بعد بحركة «بوكو حرام». أما مبادئ الحركة، فهي نفس مبادئ القاعدة و«داعش» الحاكمية، «الفرقة الناجية» تحريم التعليم الغربي من المدارس إلى الجامعة، ضرورة إقامة الدولة الإسلامية، الولاء والبراء ومعاداة المخالفين، سواء من المتغربين أو من الاتجاهات المذهبية الأخرى كالصوفية والتشيع. ونحن نفهم ونعرف «التعليم الغربي» الذي يعادونه، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن البديل هو «مدارس» و«جامعات» داعش التي رأيناها في «الموصل»!