عندما نطالع المصادر الإسرائيلية والفلسطينية حول قضية إضراب الأسرى الفلسطينيين ومطالبهم الإنسانية، نكتشف موقفاً متوحشاً تتخذه السلطات الإسرائيلية ضدهم. على مستوى التصريحات نجد حالة تشفٍّ في تجويع الأسرى لأنفسهم، بل وتمني أن يموتوا جميعاً ومعهم أعضاء الكنيست من عرب 1948. تأتي هذه التصريحات على ألسنة وزراء من الوزن السياسي الثقيل في الساحة الإسرائيلية، مثل قطب الليكود الوزير تساحي هنجبي، ووزير الدفاع أفيجدور ليبرمان وبعض حاخامات التطرف. أما على المستوى العملي فإن الحكومة اليمينية ترفض الاستجابة لمطالب الأسرى الإنسانية المشروعة في المعاملة كأسرى حرب، والذين تكفل لهم القوانين الدولية عدم التعرض لأي إساءات أو ظروف معيشية سيئة، ووقف الاعتقالات الإدارية من دون محاكمات والعزل في زنازين انفرادية، ووقف سياسة التمييز العنصري ضدهم، وكفالة حقوقهم الإنسانية بما فيها الحق في العلاج وإجراء العمليات الجراحية اللازمة واستكمال التعليم الجامعي. إننا إذا تحدثنا عن حقوق الزيارة العائلية المنتظمة والتواصل مع الأهل سنكتشف أن إسرائيل تحرم منها الأسرى العرب بينما منحتها لليهودي يجال عامير الذي اغتال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين عقاباً له على توقيع اتفاقية أوسلو وتسليم السلطة الفلسطينية أجزاء من الضفة الغربية، ومع ذلك فقد تمتع في السجن بالحق في الزواج واستقبال زوجته التي أنجب منها وهو في السجن، ويتمتع بحق الاتصال اليومي مع أسرته، كباقي السجناء اليهود الأمنيين والجنائيين. هناك إذن سياسة متعمدة للتمييز العنصري ضد الأسرى العرب بمن فيهم الذين يحملون جنسية إسرائيل من عرب 1948. طبعاً هذا الموقف ليس بمستغرب من حكومة إسرائيل اليمينية صاحبة الأطماع التوسعية في الضفة الغربية، فهي تجاهر بأطماعها وتعتمد القمع أسلوباً وحيداً للتعامل مع الشعب الفلسطيني، بل وتطلق صفة إرهابي على كل من يرفض أطماعها وكل من يمارس حق المقاومة ضد الاحتلال، كما فعلت جميع الشعوب التي تعرت للاحتلال. إنها حكومة يصل بها التطرف إلى حد أنها تعتبر المطالبة بإنهاء احتلالها للضفة من جانب رئيس السلطة الفلسطينية، المعروف بحرصه على السلام، تحريضاً ضد اليهود وكراهيةً لإسرائيل. لقد تعمدت هذه الحكومة أن تنهك الأسرى المضربين بقيامها بنقلهم إلى سجون أخرى واستخدمت الأطباء المتعاونين مع مصلحة السجون في التنكيل بالأسرى المضربين، وذلك بمنع العلاجات التي يجب أن يتناولوها للأمراض المزمنة عنهم وابتزازهم ليوقفوا الإضراب مقابل الحصول على أدويتهم. ومن ناحية أخرى تحاول إسرائيل إنهاء الإضراب دون الاستجابة للمطالب بالتفكير في استقدام أطباء من خارج إسرائيل لتغذية الأسرى المضربين بوسائل قسرية، وهو أمر شديد الخطورة وعادة ما يؤدي إلى وفاة المضرب عن الطعام. هنا لا بد من الإتيان على ذكر الموقف الاحتجاجي الإنساني الذي اتخذته نقابة الأطباء الإسرائيلية عندما أصدرت بياناً تحذر فيه وزير الأمن الداخلي يجآل أردان من خطورة هذا الأمر الذي وصفته بأنه يمثل انتهاكاً للاتفاقيات الدولية وتصرفاً منافياً لتقاليد وأخلاقيات مهنة الطب. إن الإضراب يقترب الآن من مدة شهر بينما أحوال الأسرى الصحية في تدهور قد يؤدي للوفاة، وهو ما حدا بمجلس جامعة الدول العربية إلى تنظيم وقفة تضامن مع الأسرى شارك فيها جميع مندوبي الدول العربية أمام مقر الجامعة بالقاهرة، فضلاً عن إصدار قرار بدورة اجتماع غير عادية يطالب المنظمات الدولية بإلزام إسرائيل كقوة احتلال بتطبيق اتفاقيات جنيف التي تحمي حقوق الأسرى، وأعتقد أن هذه القضية الإنسانية التي تحظى بتغطية جيدة في كثير من الصحف، يجب أن تحظى أيضاً باهتمامنا نحن الكتاب العرب.