كم يكون الاعتزاز عندما يتم تكريمك، لأجل خدمة بلدك، وأما الشهادة في سبيل الوطن، فلا يجل قدرها إلّا الله عز وجل بالفردوس الأعلى وزيادة. مقابل هذه الصور الجميلة بوفائها وولائها، تتراءى، صورة أخرى، خارج النص. صورة من صنع الأوهام، منسلخة عن مجتمع الإمارات، كان «إخوان المسلمين» يتدثرون فيها بثياب الواعظين (الإصلاح). فكر«الإخوان» في منهج المنعرجات الفكرية، قد تهالك وشاخ، كما هو حال الأفكار الأخرى التي ظهرت في الفترة من أربعينات إلى سبعينات القرن الماضي، التي قد تآكل عمرها الافتراضي، وأنهار الفكر الاشتراكي الشيوعي، و«البعث العربي الاشتراكي»، و«الإخوان المسلمون» وغيرهم، وتبدلت الأرض غير الأرض ومات حراس الشيوعية القدامى. وفي هذا العصر الجديد والفضاءات الجديدة، وما به من تقاطعات فكرية عالمية فيها إسهامات مشتركة من صنع جماهير متنوعة تنتمي لعصر ما بعد الحداثة، من التواصل الاجتماعي والحضور اللحظي، نجد أن هؤلاء يريدون أن يقنعوا «أجيال الديجيتال» بمنتوجاتهم المستهلكة، ويبحثون عن الفردوس المفقود «الخلافة» التي ليس لها تشريع من الله ورسوله. لنرى الصورة الصادقة للإمام مالك كيف تعامل مع الفتنة. يقول الإمام مالك: (شاورني الخليفة أبوجعفر المنصور في أن يعلق الموطأ في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه. وقلت له: لا يجوز لفقيه أن يحمل غيره على فقهه. وفي سجنه، قال له أتباعه، أنت إمام دار الهجرة، لو تكلمت لخرجت الأمة، من أجلك، فرد«أموت أنا من أجل الأمة ولا تموت الأمة من أجلي»). هل يستطيع «الإخوان» اليوم، مع ما تموج به مصر من فتنة، وإرهاب تضاعف أضعافاً «كثيرة، بعد خلع الرئيس مرسي، أن يقولوا أقل مما قاله مالك، كأن يصرحوا - على سبيل التمني- (نتنازل عن اسم الإخوان من أجل المسلمين).. لكني لا أعتقد أنهم سيقومون بذلك. عناد «الإخوان»، طبع ملازم لهم، طوال تاريخهم الطويل من الخسائر السياسية. وصورة «رابعة» مثال حي، حصل خلالها تدخلات ووساطات وحتى أوروبية، لكنهم أصّروا على رفض فض الاعتصام، إلى أن تم التخلص منهم. في الإمارات بعد سلسلة من المناصحة، مع قيادة البلد، وبعد المكاشفة اللطيفة، لم يقّدروا الأمر وتجاوزوا المحرم شرعاً برفض طلب ولي الأمر بالمودة والحسنى بتفكيك «تنظيم الإخوان»، وتأكد أن إدعاءهم بطاعة ولي الأمر كان مراوغة، لأنها تتعارض لديهم مع بيعتهم للمرشد- الذي بايعوه، على السمع والطاعة في المنشط والمكره. ولم يحنثوا بقسمهم، وتركوا ولي الأمر الشرعي المنصوص عليه في الكتاب والسنة النبوية، بل أعادوا الكَرّة وطلبوا بعث جمعيتهم الميتة من جديد! ما حصل في الإمارات أنه بعد ثبوت القرائن والأدلة، صدر في حقهم أحكام بالسجن لمن حضر وتغيب. «الإخوان» لم يراعوا أعراف المجتمع، وتوهموا بأن الاستقواء بالخارج وبالدول والمنظمات الغربية وغيرها..ربما يشكل ورقة ضاغطة على دولتهم، وقد أضحوا مادة دعائية رخيصة للإساءة لبلدهم.. ومرة أخرى يكررون الأخطاء نفسها. هل هذا غباء سياسي، أو طرفة سياسية؟ كان ممكنا أن يستشيروا، أهل الدراية، من بلدهم، وهم أحرص عليهم من منظمات الاستغلال. لست هنا في وارد –لاسمح الله- التشفي، بل أرى، أن «الإخوان» تنقصهم الحكمة والوعي السياسي في الداخل والخارج. وضيعوا فرصاً عديدة، وأساءوا فيها لوطنهم، وعرّضوا السلم الأهلي في الإمارات لهزات اجتماعية، استفاق عليها المجتمع مستنكراً وجود هذا التنظيم السري الغريب عليه الذي صنعه أناس من خارج مجتمعهم. ما يؤسف عليه، أنهم استغلوا طاقاتهم في غير مكانها المناسب، بل وحولوها إلى طاقات سلبية، أشغلت المجتمع. ومن خرج عليهم مبكراً، يعمل الآن في مجاله ويخدم بلده، بكل تقدير.