أظهرت زيارة وزير الخارجية السعودي إلى موسكو استمرار الخلافات بشأن الحرب السورية وكيفيات إنهائها. ولا يقتصر الأمر في هذه الخلافات على أنّ الروس يريدون الإبقاء على بشار الأسد، بل وهم مصرُّون على شرعية تدخلات إيران والميليشيات التابعة لها في سوريا، بحجة أنّ الحكومة (الشرعية) لبشار الأسد هي التي استدعتها كما استدعت الطيران الروسي. وإلى ذلك فالروس مصرُّون على أن التهجير والتغيير السكاني في سوريا مبرَّرٌ حتى لا يستمر سفك الدم! ومع ذلك فإنّ تقدماً حصل ويحصل منذ مطلع 2017 سواء في سوريا أم في العراق بل وحتى في لبنان واليمن. ويعود ذلك لأمرين اثنين: تغير الموقف الأميركي من إيران بمجيئ ترامب للرئاسة، وثبات الموقف العربي وتقدمه بأفكارٍ ومبادراتٍ واضحة. فالموقف الأميركي بعد ضربة الشعيرات ضد الكيماوي، حصل فيه تقارب بين السعودية وأميركا وتركيا. ورغم أنّ موسكو زاد إحساسها بالضغط الأميركي وحرصها على مواجهته؛ فإنّ الروس والإيرانيين يشعرون الآن بأنه عليهم تقديم شيء باتجاه الحلّ في الأزمة السورية، بدلاً من الاكتفاء بالقتل والتهجير والحيلولة دون تدخل مجلس الأمن على خط الأزمة. وقد يتمثل هذا «الإيجاب» النسبي بالسماح بالتقدم على مسار أستانة الخاص بتثيبت وقف النار. وبالنسبة للدول العربية فإنّ هذا التقدم يجد نتائجه المباشرة في زيادة التعاون مع الولايات المتحدة في اليمن، والنتائج غير المباشرة في الوصول إلى مقاربة مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة وتركيا في سوريا. فقبل أيام كانت هناك مناورات وتدريبات بحرية بين سلاحي البحرية السعودية والعُماني. وقبل يومين أيضاً اجتمع وزراء الداخلية والدفاع بدول مجلس التعاون الخليجي للتشاور والتنسيق وليس بشأن اليمن وسورية فقط؛ بل وبشأن العراق أيضاً. وجاءت غارات الجيش التركي على حزب العمالي الكردستاني في العراق وسوريا دون أن تكون هناك ردود أفعال حادة من جانب أميركا وروسيا. وبينما كانت هناك تهديدات روسية وإيرانية لأميركا بعد الإغارة على مطار الشعيرات، وقولٌ روسي بأنّ الاستحكامات العسكرية ضد الغارات على سوريا صارت كاملة؛ ما قال الروس أو الإيرانيون شيئاً عندما ضربت إسرائيل مطار دمشق بالصواريخ صبيحة الخميس الماضي! لكنْ علينا الاتجاه أيضاً إلى ما بعد مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا. فحتى ربيع 2018 ينبغي أن يكون «داعش» قد انهزم في العراق وسوريا، وأن يحدث شيء بارز في الانتقال السياسي السوري، وأن يتبين التغيير في الانتخابات التي تحدث عندها بالعراق. ويتطلب ذلك كله مقاربات مشتركة من جانب مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر وأميركا وتركيا. وعلى جبهةٍ أُخرى ثالثة، لا يصح التهاون في الحرب الفكرية على «داعش» وعلى التطرف. ينبغي العمل بالتعاون بين المؤسسات الدينية العربية وبينها وبين إدارات الدول في السعودية ومصر والأردن. فالشريعة ركنان: درء المفاسد وجلب المصالح. وقد عملنا دولاً ومؤسسات دينية في الأعوام الماضية على درء مفاسد انشقاقات التطرف والإرهاب. والحملة في هذا الاتجاه ينبغي أن تستمر. وعلينا العمل على الجبهة الأُخرى: جبهة جلب المصالح. وكان الأزهر وبعد مؤتمره ضد التطرف والإرهاب عام 2014، قد عقد أواخر 2016 وبدعم من مجلس الحكماء، مؤتمراً للمسلمين والمسيحيين في العالم العربي وأصدر في نهايته: إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك، دعا فيه إلى دعم الدول الوطنية العربية، وزيادة شرعيتها وقدراتها في صنع المستقبل. فدعمُ الدولة الوطنية وتجديد تجربتها وشرعيتها بدلاً من الأمنيات والعسكريات، يفتح فرصاً وآفاقاً على مستقبلٍ آخر واعد. إن دولة المشاركة الوطنية هي الوجْهُ الآخَرُ لمكافحة التطرف والإرهاب، واستيعاب سائر الفئات الشعبية، وإسقاط أوهام الدولة الدينية. وفي اليومين الماضيين (27 و28 أبريل، 2017) عقد الأزهر ومجلس الحكماء بمصر مؤتمراً للسلام العالمي حضر بابا روما جلسته الختامية. وهو مفيد في تصحيح العلاقات مع العالم. هناك تقدم في المقاربات السياسية والاستراتيجية العربية، وينبغي أن يحصل تقدم في مقاربات المراجعة والتجديد الديني والفكري.