في صباح يوم الرابع من أبريل نفذ النظام السوري هجوماً كيماوياً على بلدة خان شيخون في محافظة أدلب التي يسيطر عليها المعارضون. وقتل 70 شخصاً على الأقل وأصيب مئات آخرون حيث تركت المادة الكيماوية -وهي من شبه المؤكد مادة السارين- الضحايا يعانون من آلام شديدة وضيق في التنفس. وفي الرابع من أبريل أيضاً كان زعماء العالم يجتمعون في بروكسل لليوم الثاني في مؤتمر سنوي بشأن سوريا. وهذه كانت الدورة السنوية الثانية للمؤتمر الذي يعقده الاتحاد الأوروبي وتتعهد فيه الدول بمليارات الدولارات لإغاثة ضحايا الصراع. وسابقاً، كانت أموال التعهدات التي تبذل في مؤتمر المانحين تُخصص حصرياً تقريباً للمساعدات الإنسانية. ولكن هذا العام، ولأول مرة، أدرج موضوع إعادة الإعمار على قائمة الأولويات. وتتميز مساعدات إعادة الإعمار عن المساعدات الإنسانية بأنها تصب في مساعي تحقيق الاستقرار في سوريا أي إنها تذهب لإعادة بناء البنية التحتية والتنمية الاقتصادية. وكانت المناقشات في مؤتمر المانحين فضفاضة، أي أن كل بلد حر في إنفاق أمواله كيف يشاء وما تم الاتفاق عليه غير ملزم، ولكن تحول الجدل نحو إعادة الإعمار له دلالات عميقة. فقبل ذلك كان الموقف الرسمي للدول المانحة في الاتحاد الأوروبي هو أنه يجب عدم تقديم مساعدات إعادة إعمار حتى تكون هناك عملية انتقال سياسية حقيقية. وتشير فكرة تقديم مساعدات إعادة الإعمار الآن من دون تحقيق أي تقدم ملموس إلى أن المجتمع الدولي يستعد لاستراتيجية جديدة في مسع لحسم الصراع في سوريا وهو ما يطلق عليه «ورقة المال». وتدور فكرة هذه الاستراتيجية ببساطة حول استخدام أموال إعادة الإعمار باعتبارها حافزاً لدفع الأسد نحو عملية الانتقال. والواقع أن الغرب عجز إلى حد كبير عن وقف الصراع في سوريا. واتفاقات وقف إطلاق النار انتُهكت مراراً ومحادثات السلام بلغت دورتها السادسة دون أن يدخل حتى ممثلو نظام الأسد والمعارضة القاعة نفسها. ولا بادرة على حسم من مجلس الأمن الدولي أو على إحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية. ويجد الأسد في روسيا حليفاً قوياً. وحجة تقديم أموال إعادة الإعمار الآن هي أن هذا العمل يمثل ورقة ضغط على الأسد تشترط عليه التوقف عن أعمال القتال والمحافظة على وقف إطلاق النار والسماح بدخول وكالات المساعدات الإنسانية والالتزام بعملية الانتقال قبل حصوله على المال. لكن هذا المنطق معيب. وعلى رغم أن «ورقة المال» تُصور على أنها نوع من الإيثار لتخفيف معاناة الشعب السوري، ولكنها تغطي على واقع أن سيطرة الأسد على السلطة هي السبب الرئيسي لمعاناة السوريين في المقام الأول. وتقديم المساعدات للأسد مع استبعاد المعارضة لن يؤدي إلا إلى إضفاء مشروعية على النظام الحاكم ومحاصرة المعارضة. وأنصار «ورقة المال» يدافعون أيضاً عن كون هذه استراتيجية براجماتية. فالمساعدات المالية لن تؤدي إلا إلى هيكل حوافز منحرف وتفاقم للمشكلات. وإذا قُدمت مساعدات إعادة الإعمار إلى النظام الحاكم مقابل إمكانية دخول المساعدات الإنسانية أو وقف إطلاق النار فماذا يحدث إذا استشعر الأسد فرصة لضرب المعارضة وقرر نقض الاتفاق؟ قد يتوقف التمويل إلى حين إعادة التفاوض للتوصل إلى وقف إطلاق نار وهذه الدورة قد لا تتوقف. وبتقديم مساعدات إعادة الإعمار للنظام الحاكم، يقدم المجتمع الدولي للأسد نفوذاً بقدر ما يحصل المجتمع الدولي على نفوذ. ولكن دعونا نتخيل احتمالاً آخر هو أن يلتزم النظام الحاكم بوقف لإطلاق النار ولكنه يعترض دخول المساعدات الإنسانية. صحيح أن المجتمع الدولي يستطيع التهديد بوقف المساعدات إذا لم يتم السماح بالدخول، ولكن الأسد يستطيع أيضاً التهديد بانتهاك وقف إطلاق النار إذا لم يتم منح المساعدات. والهجوم الكيماوي في الرابع من أبريل يوضح أن مثل هذه الاحتمالات ليست بعيدة عن إمكانية الحدوث. فقد كان النظام يدعي أنه قد فكك ترسانته الكيماوية بعد مقتل مئات في هجوم مشابه في عام 2013. وإذا انتهكت الوعود أثناء تدفق مساعدات إعادة الإعمار فإن المجتمع الدولي سيجد نفسه متواطئاً ضمنياً فيما كان من الممكن أن تكون أعمال طاغية دون تواطؤ من المجتمع الدولي. والهدف النهائي لاستراتيجية «ورقة المال» هو إقناع الأسد بانتقال سياسي في نهاية المطاف. وكي يجدي هذا نفعاً، يتعين أن تكون للوعد بإعادة الإعمار قيمة حقيقية لدى الأسد. وتصرفاته توضح أن الأمر ليس كذلك. فما القيمة التي يمكن أن تحملها إعادة الإعمار إلى شخص تصرف بمثل هذه الرغبة في هدم الإعمار بمثل هذه الوحشية؟ إن شخصاً مضى إلى هذا الحد المتطرف كي يحتفظ بالسلطة، وشن هجمات كيماوية، وأمر بضربات جوية على المدارس، وأسقط القنابل البرميلية على المستشفيات، لن يتخلى عن السلطة بيسر. والمساعدات الاقتصادية لنظام الأسد ستكون لها تداعيات كارثية أيضاً فيما يتجاوز سوريا. فمن خلال الربط بين الالتزام بالقانون الدولي والمكافأة المالية، يبعث المجتمع الدولي بإشارة واضحة للدول الأخرى حول العالم مفادها أن انتهاكات حقوق الإنسان قد تصبح ورقة تفاوض. ولا يمكن أن تكون هناك إعادة إعمار في سوريا دون انتقال مكين، ولن يكون هناك انتقال دون عدالة. و«ورقة المال» خاسرة. ----------------- ستيفن ديكسون* ورامي نخلة** * المسؤول عن برنامج سوريا في منظمة لا سلام بلا عدل ** منسق مشروع سوريا في المنظمة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»