إذا أردت أن تُغيّر إعدادات اللغة التلقائية في هاتف «آيفون» الخاص بك، فلديك خيارات كثيرة لتختار من بينها، مثل التركية والألمانية والكتالونية، واللهجتين البرازيلية والبرتغالية من اللغة البرتغالية. ولكن إذا كنت تتحدث الآيسلندية، فحظّك عاثر! وينطبق ذلك أيضاً على كثير من أجهزة الكمبيوتر، ولاسيما الأدوات التي تعتمد على الصوت مثل أجهزة التلفزيون والإلكترونيات. ويعتقد بعض الناس، أنه إلى جانب اتساع رقعة العولمة واستخدام الإنجليزية على نحو واسع النطاق، فمن الممكن أن يفضي ذلك إلى تقليص استخدام اللغة الآيسلندية، التي يتحدثها أقل من نصف مليون شخص. ولن تكون أيضاً هي اللغة الوحيدة التي تواجه ذلك المصير. وفي هذا السياق أكّد «تحالف التكنولوجيا الأوروبية متعددة اللغات»، في تقرير حديث، يشي بأن «الآيسلندية» من بين أكثر اللغات المعرضة للخطر في العصر الرقمي، أن «كثيراً من لغات العالم، التي يقدّر عددها بستة آلاف، لن تنجو في مجتمع المعرفة الرقمي المتعولم». وأضاف: «من المقدر أن ألفي لغة على الأقل ستنقرض في غضون العقود المقبلة». ونوّه التقرير إلى أن وضع اللغة يعتمد على وجودها في مساحة معلومات رقمية وتطبيقات البرامج الإلكترونية. ولم يكن استخدام اللغة الآيسلندية في تكنولوجيا اللغات «موجوداً في العالم الافتراضي» عام 1999. وكل ما كان موجوداً من هذه اللغة في النطاق الرقمي، بحسب «تحالف التكنولوجيا الأوروبية» هو مدقق إملائي جيد، ومُركّب لغوي متواضع. وقد توسعت اللغة بدرجة كبيرة في النطاق الرقمي منذ ذلك الحين، ولكن الفجوة بينها وبين اللغات الأخرى لا تزال كبيرة جداً. ومثلما تشير شركة «ماشابل» للتكنولوجيا: «تخطئ أجهزة نظام التموضع العالمي (جي بي إس) في السيارات في أسماء الشوارع والطرق الآيسلندية». وما يسمى ببرامج المساعدة الرقمية مثل «سيري» من شركة «آبل» و«أليكسا» من «أمازون» لا تفهم هذه اللغة. وبالطبع، صمدت اللغة الآيسلندية على مدار قرون من دون أدوات رقمية. وجاءت اللغة في الأصل إلى ما بات يعرف اليوم بآيسلندا في القرنين التاسع والعاشر من قبل مستوطنين من غرب النرويج. ولبعد الجزيرة، ظلت نسبياً من دون تغيير يذكر منذ القرن الثاني عشر، ولذا لا يزال من الممكن قراءة النصوص الآيسلندية القديمة من قبل السكان في الوقت الراهن، حسبما أشارت «ناشيونال جيوغرافيك». وهذه اللغة فريدة من نوعها، ولكن لا يتحدثها كثير من الناس، إذ يبلغ تعداد سكان آيسلندا زهاء 339 ألف نسمة، ولا تستخدم كثيراً خارج البلاد أيضاً. فعلى سبيل المثال لا يتحدث الآيسلندية سوى 5000 أميركي. ولذا فليس هناك سبب قوي يحمل شركات التكنولوجيا، ولاسيما تلك التي تتخذ من وادي السيليكون في الولايات المتحدة مقراً لها، على وضع هذه اللغة في أجهزتها. وقد أكد الرئيس الآيسلندي السابق «فيجيدس فينبوجادوتير»، لـ«آسوشيتد برس» مؤخراً أنه من دون تغيير ذلك الاتجاه، فسيكون مآل الآيسلندية الانقراض. وقد ساور كثيرين القلق بشأن ذلك على مر السنين. وفي هذا السياق تحدث «إيريكور روجنفالدسون»، أستاذ اللغة في جامعة «آيسلندا»، في 2013 لبرنامج «ريكيافيك جرابفين» عن استمرار صعود التكنولوجيا التي تعتمد على الأصوات، والتي لا تشمل الآيسلندية. وأوضح «روجنفالدسون» أنه كلما أصبحنا لا نستطيع استخدام لغتنا الأم في التطبيقات التكنولوجية التي نتعامل معها يومياً، وهو أمر لا يحدث لمجموعة منعزلة من الناس، وإنما للشعب الآيسلندي بأسره، كلما زادت مخاطر تخلي الناس عن اللغة، مضيفاً: «لماذا نزعج أنفسنا بتعلم هذه اللغة، ولماذا لا نهجرها ونبدأ في استخدام الإنجليزية كي نتمكن من المنافسة في العالم المعاصر»؟ وكذلك حذر «آسجير جونسون»، أستاذ الاقتصاد في جامعة آيسلندا، من أن الاتجاه الحالي من الممكن أن يفضي إلى «نضوب العقول» في البلاد، موضحاً: «إذا لم نستطع التحدث بالآيسلندية إلى الأجهزة التي تعمل ببصمة الصوت، والروبوتات التفاعلية والأجهزة الأخرى المماثلة، فإن ذلك سيصبح مجالاً آخر نخسره». ويأخذ الآيسلنديون هذا الأمر على محمل الجد. ويقول «آري بال كريستنسون»، رئيس قسم التخطيط اللغوي لدى «معهد آرني ماجنسون» للدراسات الآيسلندية: «إذا خسرنا اللغة الآيسلندية، فلن تكون هناك دولة ولا أمة ولا سيادة آيسلندية». وفي الوقت الراهن، تقدر وزارة التعليم في آيسلندا تكلفة تمويل قاعدة بيانات مفتوحة تمكن المطورين من إدخال الآيسلندية إلى الأجهزة الرقمية، بمليار كورونة، أي ما يناهز 8,8 مليون دولار. بيد أن الوقت هو جوهر الموضوع، فعالم التكنولوجيا لا ينتظر! ----------------- ترافيس أندروز* * كاتب متخصص في الشؤون العلمية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»